للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه البخاري ورائحة السكباج (١)، فأجمعت همتي عنه، فقربه مني وقال: يا إبراهيم كل، قلت: ما آكل شيئًا تركته للَّه ﷿ فقال: ولا إن أطعمك اللَّه؟ قال: فما كان لي جواب إلا البكاء، فقال لي: كل يرحمك اللَّه، فقلت: قد أمرنا أن لا نطرح في وعائنا إلا ما نعلم، فقال لي: كل عافاك اللَّه، فإنما ناولني هذا رضوان وقال لي: يا خضر (٢) اذهب بهذا الطعام فأطعمه للقس إبراهيم بن أدهم، فقد رحمها اللَّه على طول صبرها على ما يحملها من منعها شهوتها، ثم قال: فاللَّه ﷿ يطعمها وأنت تمنعها يا إبراهيم، إني سمعت الملائكة يقولون: من أعطي ولم يأخذ طلب ولم يعط، فقلت: إن كان كذلك فها أنا بين يديك لم آخذ بالعهد مع اللَّه ﷿ وإذا بفتى آخر قد ناوله شيئًا وقال: يا خضر لَقِّمْه، فلم يزل يطعمني بيده فانتبهت وحلاوة ذلك في فمي، ولون الزعفران في شفتي، فدخلت زمزم فغسلت فمي، فلا الرائحة ذهبت، ولا أثر الزعفران، قال شيبان: فقلت له: أرني، فإذا أثره لم يذهب، فقلت: يا من يُطعِم مناع الشهوات إذا صححوا المنع لأنفسهم، يا من ألزم قلوب أوليائه التصحيح، يا من سقى قلوبهم من شراب محبته، أترى لشيبان ذلك عندك، قال: ثم أخذت يد إبراهيم ورفعتها إلى السماء وقلت: اللهم بقدر هذه الكف وقدر صاحبها وحرمته عندك وبالجود الذي وجده منك يا اللَّه جُد على عبدك الفقير إلى فضلك وإحسانك برحمتك يا أرحم الراحمين، وإن لم يستحق ذلك منك يا رب العالمين.

التاسعة: عن بعضهم قال: لقيت رجلًا بالبصرة يعرف بالمسكى، وذلك من شدة ما كان يوجد منه من ريح المسك، حتى إنه إذا دخل المسجد الجامع يعرف أنه قد جاء من شدة الرائحة، وإذا مرَّ في الأسواق كذلك، فقصدته وبت عنده وقلت له: ما أشك أنك محتاج إلى مال كثير في ثمن الطيب، فقال: ما اشتريت طيبًا قط ولا تطيبت بطيب قط، وأنا أحدثك بحديثي لعلك إذا متُّ تترحم عليَّ إذا ذكرتني، كان مولدي ببغداد، وكان أبي موسرًا يعلمني كل ما يعلم الناس أولادهم، وكنت من أحسن الناس وجهًا، وكان فيَّ حياء، فقيل لأبي: لو أجلست ابنك في السوق لينشط، فأجلسني في دكان بزاز، وكنت أجلس عنده طرفي النهار، فلما كان في بعض الأيام


(١) السكباج: طعام يعمل من اللحم والخل مع توابل وأفاويه، القطعة منه: سكباجة.
(٢) جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يستر، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك، قال: وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين. "النووي في شرح مسلم [١٥/ ١١١] طبعة دار الكتب العلمية".

<<  <  ج: ص:  >  >>