للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنشدوا:

بحق الهوى يا أهل وُدِّي تفهموا … لسان جواد (١) بالوجود غريب

حرام على قلب تعرض للهوى … يكون لغير الحق فيه نصيب

السادسة: عن إبراهيم الخواص قال: كنت في جبل لكام فرأيت رمَّانًا فاشتهيته، فدنوت وأخذت منه واحدًا، فشققته فوجدته حامضًا، فمضيت وتركته.

فرأيت رجلا مطروحًا وقد اجتمعت عليه الزنابير (٢) فقلت: السلام عليك، فقال لي: وعليكم السلام يا إبراهيم، فقلت له: أراك حالًّا مع اللَّه -تعالى- فلو سألته أن يحميك ويقيك من هذه الزنابير، قال: وإذا لك حالا مع اللَّه -تعالى- فالوسيلة أن يقيك شهوة الرمان، فإن لدغ الرمان يجد الإنسان ألمه في الآخرة، ولدغ الزنابير لا يجد ألمه إلا في الدنيا، فتركته ومشيت.

السابعة: حكي أن سبب قطع يد أبي الخير أنه كان في جبال أنطاكية وحواليها يطلب المباح وينام بين الجبال، وأنه عاهد اللَّه أن لا يأكل من ثمار الجبال شيئًا إلا ما طرحته الريح، فبقي أيامًا لم تطرح الريح شيئًا، فرأى يومًا شجرة كمثرى فاشتهى منها، فلم يفعل، فأمالتها الريح إليه، فأخذ واحدة، واتفق أن لصوصًا قطعوا هناك الطريق وجلسوا يقتسمون، فوقع عليهم السلطان، فأخذهم فقطع أيديهم وقطعت يده في جملتهم، فلما هم بقطع رجله عرفه رجل فقال للأمير: أهلكت نفسك؛ هذا أبو الخير، فبكى الأمير وسأله أن يجعله في حل ففعل، وقال: أنا أعرف ذنبي، فلذلك سمي الأقطع، وأنشدوا:

نون الهوان من الهوى مسروقة … فأسير كل هوى أسير هوان

الثامنة: عن شيبان بن إبراهيم قال: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة -شرَّفها اللَّه تعالى- في سوق الليل عند مولد النبي وهو يبكي ناحية من الطريق، فسلمت عليه وصليت عنده وقلت له: يا أبا إسحاق ما هذا البكاء؟ قال: خير، فعاودته مرة ثانية وثالثة، فلما أطلت عليه السؤال قال لي: يا شيبان إن أنا أخبرتك تبح به أو تستر عليَّ؟ فقلت له: يا أخي قل ما شئت.

فقال: اشتهت نفسي سكباجًا منذ ثلاثين سنة، وأنا أمنعها جهدي، فلما كان البارحة غلبني النوم، وإذا أنا بإنسان من أحسن الناس وجهًا وبيده قدح أخضر يعلو


(١) أجاد: أتى بالجيد من قولٍ أو عملٍ، ويقال: أجاد الشيء وفيه: صيره جيدًا.
(٢) الزنبار: حشرة أليمة اللسع من الفصيلة الزنبورية، واحدته زنبارة، جمعها: زنابير.

<<  <  ج: ص:  >  >>