للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجاهة عند اللَّه وعند الناس، وإن شئت قلت تطييب السريرة وتحسين السيرة، أو يحيي القلب وينوِّره ويصرف العرض ويطهره، وفيه بيان حقيقة الورع وأنه ليس إلَّا اتقاء الشبهات (١). وتسمية اتقاء المحارم ورعاء حق، ولكن العرف خصَّ اسم المحارم باسم التقى وترك الشبهات باسم الورع وترك ما لا بأس به أو ما لا يعني، إنما سمِّي ورعا لاشتباهه بمخوف العاقبة. وفيه أيضا: التحذير من تركه بذكر آفة التساهل، وهو الوقوع في الحرام إما لتمرينه على التساهل وإما لمصادفة للحرام. فمن الشبهات كما في تمثيله بالرَّاعي يرعى حول الحمى على أنه يحتمل الأول أيضا.

وروينا من حديث أنس أن النبي وجد تمرة في الطريق فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها" (٢) أخرجاه. وفيه مرغب أخر وهو فعل الشارع له فيتجنب ما جهل إباحته.

وروينا من حديث النَّوَّاس بن سمعان ، عن النبي قال: "البرُّ حسن الخُلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" (٣) أخرجه مسلم. حَاكَ بالحاء المهملة والكاف: أي تردد فيه.

وروينا من حديث وابصة بن معبد قال: "أتيت رسول اللَّه فقال: "جئتَ تسأل عن البرّ؟ " قلت: نعم. قال: "استفت قلبك، البرُّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك"" (٤) رواه أحمد والدارمي في مسنديهما. وهو من مجاري الورع كالذي


(١) أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال جماعة هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه وعلى حديث "الأعمال بالنيات" وحديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". [النووي في شرح مسلم (١١/ ٢٢) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٢٠٥٥) في الشهادات، [٤] باب ما ينزه من الشبهات، ورقم (٢٤٣١) كتاب اللقطة، [٦] باب إذا وجد تمرة في الطريق، ومسلم في صحيحه [١٦٥ - (١٠٧١)] كتاب الزكاة، [٥٠] باب تحريم الزكاة على رسول اللَّه وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، وأحمد في مسنده (٣/ ٢٩٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٣٠)، وعبد الرزاق في مصنفه (١٨٦٤٢)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ٢١٤)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٢/ ٥٥٨).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [١٤ - (٢٥٥٣)] كتاب البر والصلة والآداب، ورقم (١٥) به، والترمذي في سننه (٢٣٨٩)، وأحمد بن حنبل في مسنده (٤/ ١٨٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ١٤٢)، والحاكم في مستدركه (٢/ ١٤)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٥٠٧٣)، والسيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٥٥)، والعجلوني في كشف الخفاء (١/ ٣٣٤).
(٤) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (٤/ ٢٢٧)، والهيثمي في مجمع الزوائد (١/ ١٧٥، ١٠/ ٢٩٤)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>