للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ (١) الآية.

ومعنى الحكم التدبير الشامل للكونيات والدينيات التكليفية والجزائية، حسية وخلقية، ولا شك أن الإنسان إن خاصم أولًا فله التحكيم، وإلا فالطواعية.

وفيه من الأحاديث حديث أبي هريرة المذكور في أول الفصل قبله، وغيره من الأحاديث.

وروينا في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: "لما نزلت على رسول اللَّه : ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول اللَّه ، فأتوا رسول اللَّه ثم بركوا على الركب فقالوا (٢): أي رسول اللَّه، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" فلما فعلوا ذلك نسخها (٣)، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قال: "نعم" ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾


= يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] من سورة النساء، عن عروة قال: خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شريج من الحرة، فقال النبي : "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاري: يا رسول اللَّه إن كان ابن عمتك؟ فتلوَّن وجهه ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك" واستوعى النبي للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة، قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥].
(١) سورة النور [٥١].
(٢) قال الإمام أبو عبد اللَّه المازري : يحتمل أن يكون إشفاقهم وقولهم لا نطيقها لكونهم اعتقدوا أنهم يؤاخذون بما لا قدرة لهم على دفعه من الخواطر التي لا تكتسب، فلهذا رأوه من قبيل ما لا يطاق، وعندنا أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلًا، واختلف هل وقع التعبد به في الشريعة أم لا، واللَّه أعلم. "النووي في شرح مسلم [٢/ ١٢٦] طبعة دار الكتب العلمية".
(٣) معنى أمر النبي لهم بالإيمان والسمع والطاعة لما أعلمهم اللَّه -تعالى- من مؤاخذته إياهم، فلما فعلوا ذلك وألقى اللَّه -تعالى- الإيمان في قلوبهم وذلت بالاستسلام لذلك ألسنتهم كما نص عليه في هذا الحديث، رفع الحرج عنهم ونسخ هذا التكليف، وطريق علم النسخ إنما هو بالخبر عنه أو بالتاريخ، وهما مجتمعان في هذه الآية، قال القاضي: وقول المازري: إنما يكون نسخًا إذا تعذر البناء، كلام صحيح فيما لم يرد فيه النص بالنسخ، فإن ورد وقفنا عنده. "النووي في شرح مسلم [٢/ ١٢٧] طبعة دار الكتب العلمية".

<<  <  ج: ص:  >  >>