للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خوفا أن أتخطى رقاب الناس، وإن جلست إلى الصلاة، فالتفت إليَّ وقال: يا سهل أخذك حرقان البول؟ قلت: أجل. فنزع إحرامه عن منكبه فغشاني به، ثم قال: اقض حاجتك وأسرع تلحق الصلاة.

قال: فغُمِّي عليَّ ففتحت عيني فإذا بباب مفتوح، فسمعت قائلا يقول: ألج الباب يرحمك اللَّه، فولجت الباب، وإذا بقصر مشيد عالي البنيان، شامخ الأركان، وإذا بنخلة قائمة إلى جنبها مطهرة مملوءة ماء أحلى من الشهد، ومنزل إراقة الماء، ومنشفة وسواك (١) فحللت لباسي وأرقت الماء، ثم اغتسلت وتنشفت بالمنشفة، فسمعته ينادي ويقول: إن كنت قضيت أربك فقل لي، فقلت: نعم فنزع الإحرام عني فإذا أنا جالس في مكاني ولم يشعر بي أحد، فبقيت متفكرا في نفسي، وأنا مُكذِّب نفسي فيما جرى.

فقامت الصلاة وصلى الناس، فصليت معهم، ولم يكن لي شغل إلا الفتى، لا أعرفه. فلما فرغ تبعت أثره، فإذا به قد دخل إلى درب فالتفت إليَّ وقال: يا سهل كأنك ما وثقت بما رأيت، قلت كلا، قال: ألج الباب يرحمك اللَّه، فنظرت الباب بعينه، فولجت القصر، فنظرت النخلة والمطهرة والحال بعينه، والمنشفة مبلولة، فقلت: آمنت باللَّه (٢).

فقال: يا سهل من أطاع اللَّه أطاعه كل شيء، اطلبه تجده، فتغرغرت عيناي


= دوام الوصلة؟ والراضي عن اللَّه راض عنه وصله أم قطعه. [لطائف المنن لابن عطاء اللَّه ص ٥٩].
(١) قال أهل اللغة: السواك بكسر السين، وهو يطلق على الفعل، وعلى العود الذي يتسوك به، وهو مذكر، وتؤنثه العرب أيضا، ثم إن السواك سنة ليس بواجب في حال من الأحوال، لا في الصلاة ولا في غيرها بإجماع، وقد حكى الشيخ أبو حامد الإسفراييني، إمام أصحابنا العراقيين عن داود الظاهري أنه أوجبه للصلاة، وحكاه الماوردي عن داود وقال: هو عندي واحب، لو تركه لم تبطل صلاته، وحكى عن إسحاق أنه قال: هو واجب، فإن تركه عمدا بطلت صلاته، وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود، وقالوا: مذهبه أنه سنة كالجماعة، ولو صح إيجابه عن داود لم تضر مخالفته في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون، وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه واللَّه أعلم. [النووي في شرح مسلم (٣/ ١٢١، ١٢٢) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) الولاية ولايتان: ولاية الصادقين، وولاية الصديقين؛ فولاية الصادقين بإخلاص العمل للَّه والقيام بالوفاء مع اللَّه طالبا للجزاء من اللَّه. وولاية الصديقين بالفناء عما سوى اللَّه، والبقاء في كل شيء باللَّه، وقد قال أبو الحسن الشاذلي: في بعض كتب اللَّه المنزلة على أنبيائه قال اللَّه: من أطاعني في كل شيء أطعته في كل شيء. [انظر لطائف المنن لابن عطاء اللَّه ص ٤٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>