للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت: هذه فلانة؛ تذكر من صلاتها، قال: "مه، عليكم بما تطيقون، فواللَّه لا يملُّ اللَّه حتى تملُّوا (١)، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه" (٢) متفق عليه.

ومه: كلمة زجر ونهي، ومعنى لا يملُّ اللَّه: أي لا يقطع ثوابه عنكم، وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المال حتى تملوا فتتركوا، فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم، فمفاسد (الناو) (٣) والملل والعجز عن الدوام ونقص الخيرات.

ثانيها: عن أنس قال: "جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي فلما أُخْبِرُوا كأنهم تقالُّوها، وقالوا: أين نحن من النبي فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (٤)، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال


= السدي ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] الإسلام، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] يقول: وعلى اللَّه البيان، أي يبين الهدى والضلالة، وقول مجاهد أقوى لأنه -تعالى- أخبر أن ثَمَّ طرقًا تُسلك إليه، فليس يصل إليه منها إلا طريق الحق وهي الطريق التي شرعها ورضيها، وما عداها مسدودة والأعمال فيها مردودة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنْهَا جَائِر﴾ [النحل: ٩] أي خائر مائل زائغ عن الحق. "تفسير ابن كثير [٢/ ٥٨٠] ".
(١) قال النووي: الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق اللَّه -تعالى- فيجب تأويل الحديث، قال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم، وقيل: معناه لا يمل إذا مللتم، وقاله ابن قتيبة وغيره، وحكاه الخطابي وغيره، وفي هذا الحديث كمال شفقته ورأفته بأمته لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم، وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر، فتكون النفس أنشط والقلب منشرحًا، فتتم العبادة بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق، فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب، فيفوته خير عظيم. "النووي في شرح مسلم [٦/ ٦٣] طبعة دار الكتب العلمية".
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه [٤٣] كتاب الإيمان، [٣٣] باب أحب الدين إلى اللَّه أدومه، ورقم [١١٥١] كتاب التهجد، [١٨] باب ما يكره من التشديد في العبادة، ومسلم في صحيحه [٢١٥ - (٧٨٢)] كتاب صلاة المسافرين وقصرها، [٣٠] باب فضيلة العمل الدائم من قيام وغيره، وابن ماجه في سننه [٤٢٣٨]، وأحمد في مسنده [٦/ ٥١]، والبيهقي في السنن الكبرى [٣/ ١٧]، وابن خزيمة في صحيحه [١٢٨٢].
(٣) كذا بالأصل.
(٤) في عبادة النبي روى البخاري في صحيحه [٤٨٣٧] كتاب تفسير القرآن، سورة الفتح، [٢] باب قوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢] عن عائشة: "أن النبي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه" فقالت عائشة: "لم تصنع هذا يا رسول اللَّه وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ "قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ " فلما كثر لحمه صلى جالسًا، فإذا أراد أن يركع قال فقرأ ثم ركع.

<<  <  ج: ص:  >  >>