للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّه إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي اللَّه على لسان نبيه ما أحب" وفي لفظ "ما شاء".

وروينا في صحيح البخاري من حديث ابن عباس في قصة بريرة وزوجها قال: قال لها رسول اللَّه : "لو راجعتيه" قالت: يا رسول اللَّه تأمرني؟ قال: "إنما أشفع" قالت: لا حاجة لي فيه. (١) ومدار هذين الحديثين على الترغيب في الشفاعة (٢) بالقول والفعل، وعلى بيان أنواعها بطلب الشافع، وطلب كل أحد لها، وفي كل محل وعند كل أحد وإيضاح العذر عند المنع، ثم المطلوب منه شفاعة تقبل لا مطلق الشفاعة وعلى أن المشفوع عنده بالخيار إن شاء قبل، وإن شاء رد.

وعلى أن الرد لا ينقص من الشافع ولا من أجره، فعفى اللَّه عن بريرة كيف حمل قلبها رد شفاعة سيد الأولين والآخرين، لا (امترى) (*) لو قبلت ذلك لقلب اللَّه قلبها (راجسة) (*) وبورك لها فيه، واغتبطت به، لكن اللَّه جعل ذلك ليسهل بعده على كل شافع رد من رده، ففيمن شفع عندها أُسوة حسنة وعذرها متلمح من قولها: أتأمرني؟ فلم يقل: نعم.


(١) رواه البخاري في صحيحه [٥٢٨٣] كتاب الطلاق، [١٦] باب شفاعة النبي في زوج بريرة، والطبراني في المعجم الكبير [١١/ ٣٤٥].
(٢) في إعتاق بريرة فيما رواه مسلم [١٠ - (١٥٠٤)]، [١١، ١٢، ١٤] كتاب العتق، [٢] باب إنما الولاء لمن أعتق، وفيه أن النبي خير بريرة في فسخ نكاحها، وقال النووي: وأجمعت الأمة على أنها إذا أعتقت كلها تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح، فإن كان حرًا فلا خيار لها عند مالك والشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة: لها الخيار، واحتج برواية من روى أنه كان زوجها حرًا، والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن زوجها كان عبدًا، ورواية من روى أنه كان حرًا غلط وشاذة مردودة لمخالفتها المعروف من روايات الثقات، ويؤيده قول عائشة: "كان عبدًا، ولو كان حرًا لم يخيرها" وفي فوائد الحديث قال النووي: فيه ثبوت الخيار للأمة إذا أعتقت تحت عبد، وفيه جواز الشفاعة من الحاكم إلى المحكوم له للمحكوم عليه، وجواز الشفاعة إلى المرأة في البقاء مع زوجها، وفيه لها الفسخ بعتقها وإن تضرر الزوج بذلك لشدة حبه إياها. . . إلى آخره. "مختصرًا من شرح مسلم للنووي [١٠/ ١٢٠، ١٢٣] ".
(*) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>