للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ويلتحق بالحض على طعام المسكين كل إحسان ومعروف.

ولنذكر أحاديث مشتملة على حفظ قلوب الضعفة، والقيام بمصالحهم قدر الإمكان، وترك المشقة عليهم ورعاية فضلهم وبركتهم مع بيان مجاري ذلك، وما يغري به أو يحذر من تركه وما يترجح عند التعارض، وما يخشى أن يكون منافيًا، وما يستدرك به المنافي ونحو ذلك.

روينا في صحيح مسلم (١) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: "كنا مع رسول اللَّه ستة نفر، فقال المشركون للنبي : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول اللَّه ما شاء أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢]. (٢)

ففيه حقظ قلوب الضعفة بترك طردهم، وروينا فيه أيضًا من حديث أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني، وهو من أهل بيعة الرضوان: "أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: واللَّه ما أخذت سيوف اللَّه من عنق عدو اللَّه مأخذها (٣)، قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي فأخبره، فقال: "يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؛ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر اللَّه لك يا أخي. (٤)


= الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨)﴾ يعني الفقبر الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته. "تفسير ابن كثير [٤/ ٥٥٤] ".
(١) تقدم قريبًا.
(٢) قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢] أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كقوله: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨)﴾ [الكهف: ٢٨]، وقوله: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ أي يحبدونه ويسألونه ﴿بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾. "تفسير ابن كثير [٢/ ١٣٧] ".
(٣) قوله: ما أخذت سيوف اللَّه من عنق عدو اللَّه مأخذها ضبطوه بوجهين: أحدهما بالقصر وفتح الخاء، والثاني: بالمد وكسرها وكلاهما صحيح، وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء، وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم. "النووي في شرح مسلم [١٦/ ٥٥] طبعة دار الكتب العلمية".
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه [١٧٠ - (٢٥٠٤)] كتاب فضائل الصحابة، [٤٢] باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال، وأحمد في مسنده [٥/ ٦٤]، والطبراني في المعجم الكبير [١٨/ ١٨]، =

<<  <  ج: ص:  >  >>