للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما تطابقت الأجفان عن سِنَةٍ (١) … إلا رأيتك بين الجفن والحدق

ثم قال: يا ذا النون مالك تطلب المجانين؟

قلت: أو مجنون أنت؟

قال: سُمِّيت به.

قلت: لي مسألة.

قال: سَلْ.

قلت: أخبرني ما الذي حبَّب إليك الانفراد وقطعك عن المؤنسين، وهيَّمك في الأودية؟

قال: حبي له هيمني، وشوقي، إليه هيجني، ووجدي به أفردني.

ثم قال: ياليت شعري إلى متى تتركني (مغلغلا) (٢) عن محبتى؟

فقلت له: أخبرني عن محل الحب عندك وأين مسكن الشوق منك؟

قال: مسكنه مني سواد الفؤاد.

قلت: فما الذي تجد في خُلوتك؟

قال: الحق سبحانه.

قلت: كيف تجده؟.

قال: بحيث لا حيث.

ثم قال: يا ذا النون أعجبك كلام المجانين؟

قلت: أي واللَّه وأشجاني.

ثم قلت له: ما صِدق وجدانك للحق تعالى.

فصرخ صرخه ارتج لها الجبل، ثم قال: يا ذا النون هذا موت الصادقين، ثم سقط على الأرض ميتًا فحرت في أمري ولا أدرى ما أصنع به.

وإذا هو قد غاب عني، فلم أر أين ذُهب به.

السابعة: عن الفضيل بن عياض قال: مكثت في جامع الكوفة ثلاثة أيام لم أطعم ولم أشرب فلما كان في الرابع، هذبني (٣) الجوع.

فبينما أنا جالس إذ دخل من باب المسجد مجنون وبيده حجر كبير، وفى عنقه غُل (٤) ثقيل.


(١) السِنَة: هي الوسن والنعاس.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) هذَّب: نقى، ورباه وخلصه من الشوائب وتَهَذب: صار مُهَذبا.
(٤) الغُلُّ: طوق من حديد أو جلد يجعل في عنق الأسير أو المجرم أو في أيديهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>