للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثامنة: عن أبي يزيد البسطامي قال: طلقت الدنيا ثلاثًا لا رجعت لشيء فيها.

وسرت إلى ربي وحدي، فناديته بالاستغاثة:

إلهي أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك.

فلما عرف صدق الدعاء من قلبي، واليأس من نفسي كان أول ما ورد عليَّ من إجابة هذا الدعاء أن أنساني نفسي بالكليَّة، وبعض الخلائق من يُرى مع إعراضي عنهم.

التاسعة: قال محمد بن أحمد: سمعت علي بن الموفق (١) ما لا أحصيه يقول: اللهم إن كنت تعلم أني عبدتك خوفا من نارك فعذبني بها، (٢) وإن كنت تعلم أني عبدتك حبًا مني، وشوقًا لجنتك، وشوقا مني إليها فاحرمنيها.

وإن كنت تعلم أني إنما عبدتك حبًا مني لك، وشوقًا مني إلى وجهك الكريم فأبحنيه واصنع بي ما شئت.

العاشرة: قال بعض الصالحين: عُرضَت عليَّ الدنيا بزينتها وزخارفها وشهواتها، وأعرضت عنها ثم أعرضت علي الأخرى بجواريها وقصورها، وزينتها فأعرضت عنها.

فقيل لي: لو أقبلت على الأولى حجبناك عن الأخرى، ولو أقبلت على الأخرى حجبناك عنها (فها خن) (٣) وقسمتك من الدارين تأتيك.

الحادية عشرة: عن بعض الصالحين قال: إن اللَّه تعالى لما أظهر الخلق في القدم (٤)، أظهر لهم الصنائع، ثم خيرهم فيها.

فاختار كل إنسان صنعته.

فلما أبداهم إلى الوجود أجرى على لسان كل واحد ما اختار لنفسه.

وانفردت طائفة لم تخير شيئا.


(١) علي بن الموفق الزاهد، أحد مشايخ الطرق له أحوال ومقامات، صحب منصور بن عمار، وأحمد بن أبي الحواري، توفي سنة (٢٦٥). تاريخ الإسلام وفيات (٢٦١ - ٢٧٠).
(٢) كيف ذلك وكان النبي يستعيذ من النار وعذابها: فروى البخاري في صحيحة (٦٣٧٦) كتاب الدعوات، ٤٦ - باب الاستعاذة من فتنة الغنى أن النبي "كان يتعوذ اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة القبر، وأعوذ بك من عذاب القبر" الحديث.
(٣) كذا بالأصل.
(٤) في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الآية الأعراف (١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>