للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالرواية عن هذا الصحابي، وثبت لنا أنَّه سمع منه، ولا يلزم أن يتابعه عليه أكثرهم رواية عنه.

وهنا قد رواه عن ابن عمر ابناه عبيد الله وعبد الله، وأهل بيت الرجل من أعلم الناس به، فما يمنع أن يكون قد سمعاه منه، ولم يسمعه سالم ولا نافع، ثم رواه عنهما ثلاثة من الثقات: محمد بن جعفر ومحمد بن عباد وعاصم بن المنذر، ولو كان واحدًا لكفى، فكيف يقبل فيه بعدُ قول إسماعيل القاضي: "هذان شيخان لا يحتملان التفرد بهذا الحكم الجليل"، وقد قال بهذا القول من أصحاب ابن عمر: سعيد بن جبير ومجاهد، فكيف يقال بأنه لم يقل به أحد من أصحاب ابن عمر.

وقد أجاد الطحاوي وابن حزم حيث سلما بصحة الحديث، ولو كان لهما فيه مطعن لما سكتا عنه، كيف وهو أقوى أدلة المخالفين لهما؟.

ولما سئل أبو زرعة وأبو حاتم عن هذا الحديث لم ينكراه، ولم يقولا ببطلانه، وهذا الترمذي سكت عليه، ولو كان منكرًا عنده لما سكت، ولقال: "غريب"، أو: "حسن غريب".

• وأما عمل الناس بمفهوم هذا الحديث فهذا هو المحز، والكلام فيه من وجوه:

الأول: تحديد القلتين بقلال هجر، أو بخمس قرب، أو بخمسائة رطل بالعراقي، أو بغير ذلك، فيقال: أولًا: هذه تحديدات لم يقم عليها دليل صحيح؛ قال ابن المنذر في الأوسط: "فأما تحديد من حدد القلتين بـ ... [وذكر هذه الأقوال التي سبق أن نقل فيها لأهل العلم تسعة أقوال ولم تستقر أقوالهم فيها على قدم]: فتلك تحديدات واستحسانات من قائلها، لا يرجع القائل منهم في ذلك إلى حجة من كتاب أو سُنَّة ولا إجماع، وحديث ابن جريج: مرسل لا يثبت، [ثم أسنده من طريق عبد الرزاق ثم قال:] فالحديث في نفسه مرسل لا تقوم به حجة".

وقال الدارقطني في العلل (١٢/ ٣٧٢/ ٢٧٩٩): "والتوقيت غير ثابت".

وقال ابن حزم في المحلى (١/ ١٥٤): "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحد مقدار القلتين، ولا شك أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لو أراد أن يجعلها حدًّا بين ما يقبل النجاسة وبين ما لا يقبلها: لما أهمل أن يحدها لنا بحد ظاهر لا يحيل، وليس هذا مما يوجب على المرء، ويوكل فيه إلى اختياره "، ثم قال: "وكل قول لا برهان له فهو باطل".

وقال ابن عبد البر نقلًا عن إسماعيل القاضي قوله: "ومقدار القلتين غير معلوم ... ومن ذهب إلى أنها قلال هجر، فمحال أن يسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة على قلال هجر مع اختلافها" [التمهيد (٢٤/ ١٩)].

وقال ابن عبد البر (١/ ٢٣٤): "ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع".

وقال المنبجي في اللباب في الجمع بين السُّنَّة والكتاب (١/ ٦٣): "أن القلة مجهولة

<<  <  ج: ص:  >  >>