للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القدر محتملة لمعان، ... ، فلا يسوغ لأحد تخصيصها بشيء مما ذكرنا إلا بدليل، فإن ساغ لغيرنا حملها على قلال هجر، ساغ لنا أن نحملها على أعلى ما قيل فيها؛ إذ قد سيق لبيان أنَّه لا ينجس لكثرته؛ فتقديره به أنسب لأنَّه كالماء الجاري معنى ليوافق معنى الآثار".

وقال ابن دقيق العيد: "هذا الحديث قد صححه بعضهم، وهو صحيح على طريقة الفقهاء؛ لأنَّه كان كان حديثًا مضطرب الإسناد مختلَفًا في بعض ألفاظه، فإنه يجاب عنها بجواب صحيح؛ بأن يمكن الجمع بين الروايات، ولكني تركته لأنَّه لم يثبت عندنا بطريق استقلالي يجب الرجوع إليه شرعًا تعيين مقدار القلتين" [التلخيص (١/ ٢٥)، البدر المنير (١/ ٤١٣)].

وانظر: شرح معاني الآثار (١/ ١٦).

وقال ابن القيم: "قالوا: وأما تقدير القلتين بقلال هجر، فلم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء أصلًا ... فكيف يكون كان هذا الحكم العظيم: الحد الفاصل بين الحلال والحرام الَّذي تحتاج إليه جميع الأمة، لا يوجد إلا بلفظ شاذ بإسناد منقطع؟ وذلك اللفظ ليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: وأما ذكرها في حديث المعراج [يعني: حديث مالك بن صعصعة، وفيه: [ورفعت في سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر". أخرجه البخاري (٣٢٠٧ و ٣٨٨٧)، وأصله في مسلم دون موضع الشاهد (١٦٤)، والنسائي (٤٤٨)، وأحمد (٣/ ١٦٤) و (٤/ ٢٠٧ و ٢٠٨ و ٢٠٩)، وابن خزيمة (٣٠١)، وابن حبان (٤٨ و ٧٤١٥)، وغيرهم، فمن العجب أن يحال هذا الحد الفاصل على تمثيل النبي - صلى الله عليه وسلم - نبق السدرة بها! وما الرابط بين الحكمين؟ وأي ملازمة بينهما؟ ألكونها معلومة عندهم معروفة لهم مثل لهم بها؟! وهذا من عجيب حمل المطلق على المقيد؟ والتقييد بها في حديث المعراج لبيان الواقع، فكيف يحمل إطلاق حديث القلتين عليه؛ وكونها معلومة لهم لا يوجب أن ينصرف الإطلاق إليها حيث أطلقت العلة، فإنهم كانوا يعرفونها ويعرفون غيرها، والظاهر أن الإطلاق في حديث القلتين إنما ينصرف إلى قلال البلد التي هي أعرف عندهم، وهم لها أعظم ملابسة من غيرها، فالإطلاق إنما ينصرف إليها، ... ، وإنما مثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - بقلال هجر؛ لأنَّه هو الواقع في نفس الأمر، كما مثل بعض أشجار الجنّة بشجرة بالشام تدعى الجوزة [في حديث عتبة بن عبد السلمي: أخرجه أحمد (٤/ ١٨٣)، والطبراني في الكبير (١٧/ ١٢٧ و ١٢٨/ ٣١٢ و ٣١٣)] دون النخل وغيره من أشجارهم؛ لأنَّه هو الواقع، لا لكون الجوز أعرف الأشجار عندهم، وهكذا التمثيل بقلال هجر لأنَّه هو الواقع، لا لكونها أعرف القلال عندهم، وهذا بحمد الله واضح.

وأما قولكم: إنها متساوية المقدار، فهذا إنما قاله الخطابي، بناءً على أن ذكرها تحديد، والتحديد إنما يقع بالمقادير المتساوية، وهذا دور باطل، وهو لم ينقله عن أهل اللغة، وهو الثقة في نقله، ولا أخبر به عن عيان، ثم إن الواقع بخلافه، فإن القلال فيها الكبار والصغار في العرف العام أو الغالب، ولا تعمل بقالب واحد، ولهذا قال أكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>