للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السلف: القلة: الجرة ... ، ومن جعلها متساوية فإنما مستنده أن قال: التحديد لا يقع بالمجهول، فيا سبحان الله! إنما يتم هذا أن لو كان التحديد مستندًا إلى صاحب الشرع، فأما والتقدير بقلال هجر وقرب الحجاز: تحديد يحيى بن عقيل وابن جريج، فكان ماذا؟ " [تهذيب السنن (١/ ٥٦ - ٧٤)].

الوجه الثاني: قال ابن القيم: "وأما قولكم: إن العدد خرج مخرج التحديد والتقييد، كنصب الزكوات، فهذا باطل من وجوه:

أحدها: أنه لو كان هذا مقدارًا فاصلًا بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس، لوجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - بيانه بيانًا عامًّا تعرفه الأمة، كما بيَّن نصب الزكوات، وعدد الجلد في الحدود، ومقدار ما يستحقه الوارث، فإن هذا أمر يعم الابتلاء به كل الأمة، فكيف لا يبينه حتى يتفق سؤال سائل له عن قضية جزئية فيجيبه بهذا، ويكون ذلك حدًا عامًا للأمة كلها لا يسع أحدًا جهله، ولا تتناقله الأمة، ولا يكون شائعًا بينهم، بل يحالون فيه على مفهوم ضعيف، شأنه ما ذكرناه، قد خالفته العمومات والأدلة الكثيرة، ولا يعرفه أهل بلدته، ولا أحد منهم يذهب إليه؟!.

الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥]، وقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩]، فلو كان الماء الذي لم يتغير بالنجاسة: منه ما هو حلال، ومنه ما هو حرام، لم يكن في هذا الحديث بيان للأمة ما يتقون، ولا كان قد فصَّل لهم ما حرَّم عليهم، فإن المنطوق من حديث القلتين لا دليل فيه، والمسكوت عنه كثير من أهل العلم يقولون: لا يدل على شيء، فلم يحصل لهم بيان، ولا فصل الحلال من الحرام، والآخرون يقولون: لا بد من مخالفة المسكوت للمنطوق، ومعلوم أن مطلق المخالفة لا يستلزم المخالفة المطلقة الثابتة لكل فرد فرد من المسكوت عنه، فكيف يكون هذا حدًا فاصلًا؟ فتبين أنه ليس في المنطوق ولا في المسكوت عنه فصل ولا حد.

الثالث: أن القائلين بالمفهوم إنما قالوا به إذا لم يكن هناك سبب اقتضى التخصيص بالمنطوق، فلو ظهر سبب يقتضي التخصيص به لم يكن مفهومًا معتبرًا، كقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: ١٥١] فذكر هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه، إذ هو الحامل لهم على قتلهم، لا لاختصاص الحكم به، ونظيره: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠] ونظائره كثيرة.

وعلى هذا فيحتمل أن يكون ذكر القلتين وقع في الجواب لحاجة السائل إلى ذلك، ولا يمكن الجزم بدفع هذا الاحتمال، نعم لو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا اللفظ ابتداء من غير سؤال لاندفع هذا الاحتمال.

الرابع: أن حاجة الأمة - حضرها وبدوها على اختلاف أصنافها - إلى معرفة الفرق بين الطاهر والنجس ضرورية، فكيف يحالون في ذلك على ما لا سبيل لأكثرهم إلى معرفته؟!.

<<  <  ج: ص:  >  >>