للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما من حديث النعمان بن بشير، فقد توبع على أصله، فرواه عن النعمان بدون قوله الموقوف: سماك بن حرب، وسالم بن أبي الجعد، ويأتي [(٦٦٣ و ٦٦٥)].

ويشهد لحديث أبي القاسم الجدلي هذا عن النعمان: حديث أنس، ويأتي قريبًا.

ولفظه: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه، فقال: "أقيموا صفوفكم، وتراصُّوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري"، زاد فيه بعضهم [وهو محفوظ]: فلقد كنت أرى الرجل منا يلزق منكبه بمنكب أخيه، وقدمه، وركبته، في الصلاة.

• والحاصل: أن حديث أبي القاسم الجدلي هذا عن النعمان بن بشير: حديث صحيح، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، وعلقه البخاري بصيغة الجزم، واحتج به أبو داود، والله أعلم.

• عقد البخاري في صحيحه بابًا فقال فيه: "باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف"، أورد تحته طرفًا من قول النعمان معلقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال النعمان بن بشير: رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه، ثم أتبعه بحديث أنس مسندًا: "أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري"، قال أنس: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه.

فعلق عليه ابن حجر في الفتح (٢/ ٢١١) شارحًا له بقوله: "المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف، وسد خلله".

قلت: قول النعمان وأنس بأن الصحابة كانوا يُلزقون المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، والكعب بالكعب، لم يكن وصفًا فيه مبالغة، بقدر ما كان وصفًا لواقع الحال على ما هو عليه، إذ كل واحد منهما ينقل عن الصحابة ما وقع منهم بالفعل، فهذا شيء قد شاهداه وفعلاه أيضًا، وهذا ما فهمه البخاري وابن خزيمة من ظاهر النص.

لكن فعل الصحابة الذي نقله النعمان وأنس كان امتثالًا لأمره - صلى الله عليه وسلم - بإقامة الصف، وإقامة الصف وتسويته تكون بتعديل اعوجاجه بحيث يستقيم تمامًا بلا عوج فيه، كما جاء في رواية سماك عن النعمان: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسوِّينا في الصفوف كما يُقوَّم القِدْحُ، إذن فكان مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تسوية الصف، وإزالة اعوجاجه، فما كان من الصحابة - رضي الله عنهم - حتى يصلوا إلى تحقيق هذا المعنى إلا أنهم قاربوا بينهم، وألزقوا أنفسهم ببعض، حتى ألزقوا المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، والكعب بالكعب حتى يزول الاعوجاج، فإذا تحقق ذلك، وهو استواء الصف، فقد حصل المقصود، ولا يعني ذلك أنهم بقوا على هذا الحال طيلة الصلاة، أو أنهم فعلوا ذلك في أثناء الصلاة في كل مرة يستوون فيها قيامًا، فظهر بذلك أن فعل الصحابة هذا إنما كان منهم قبل الدخول في الصلاة لأجل تسوية الصف وإزالة اعوجاجه، لا أنهم لزموا هذا الإلزاق بهذه الهيئة طيلة صلاتهم، والله أعلم.

وقد جاء في حديث أنس [الآتي برقم (٦٦٧)] مرفوعًا: "رُصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده! إني لأرى الشيطان يدخل من خَلَل الصفِّ كأنها

<<  <  ج: ص:  >  >>