للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تبع لما روى الزهري؛ لأنَّ الزهري قال: حدثنا محمود أن عبادة - رضي الله عنه - أخبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاء لم يذكروا أنهم سمعوا من محمود".

قلت: هذا القول من البخاري لا يعني أنَّه احتج بحديث مكحول، بل على العكس من ذلك؛ ففيه الدلالة على إعلال حديث مكحول بعدم سماعه من محمود بن الربيع، وقد تقدم بيان شذوذ رواية ابن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة، وكذلك بينتُ ضعفَ رواية مكحول وحرام بن حكيم عن نافع بن محمود؛ لجهالة نافع، ومخالفته رواية الزهري، وأما رواية رجاء فإنها لا تخالف رواية الزهري، ثم إنها ثابتة صحيحة، وقد أثبت له البخاري نفسه السماع من محمود بن الربيع.

وأخيرًا: فإن البخاري يرى صحة حديث الزهري، وأنه الأصل في هذا الباب، دون غيره؛ لذا أخرجه في صحيحه دون بقية الروايات المذكورة في هذا البحث.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث مكحول: "وهذا الحديث معلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة، ضعفه أحمد وغيره من الأئمة، وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع، وبيَّن أن الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة إلا بأُم القرآن"، فهذا هو الَّذي أخرجاه في الصحيحين، ورواه الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة، وأما هذا الحديث فغلِطَ فيه بعض الشاميين، وأصله: أن عبادة كان يؤم ببيت المقدس فقال هذا، فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة" [مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٨٦)].

قال البيهقي في القراءة (١٣٣): "فهذا حديث سمعه مكحول الشامي -وهو أحد أئمة أهل الشام- من محمود بن الربيع ونافع بن محمود، كلاهما عن عبادة بن الصامت، وسمعه حرام بن حكيم من نافع بن محمود عن عبادة، وسمعه رجاء بن حيوة -وهو أحد أئمة أهل الشام- من محمود بن الربيع عن عبادة؛ إلا أن من شأن أهل العلم في الرواية أن يروي الحديث مرة فيوصله، ويرويه أخرى فيرسله، حتَّى إذا سئل عن إسناده فحينئذ يذكره، ويكون الحديث عنده مسندًا وموقوفًا، فيذكره مرة مسندًا، ومرة موقوفًا، والحجة قائمة بموصوله وموقوفه، وفي وصل من وصله دلالة على صحة مخرج حديث من أرسله، وإرسال من أرسله شاهد لصحة حديث من وصله، وفي كل ذلك دلالة على انتشار هذا الحديث عن عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسندًا، ثم من فتواه به موقوفًا، وإنما تعجب من تعجب من قراءته خلف الإمام فيما يجهر الإمام فيه بالقراءة؛ لذهاب من ذهب إلى ترك القراءة خلف الإمام فيما يجهر الإمام فيه بالقراءة، حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما لي أنازع القرآن"، ولم يسمع استثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة فاتحة الكتاب سرًّا، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، وسمعه عبادة بن الصامت، وأتقنه وأدَّاه وأظهره، فوجب الرجوع إليه في ذل.

قلت: هما حديثان مستقلان، أحدهما مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو حديث الزهري، والآخر يروي حادثة تبين رأي عبادة الفقهي في هذه المسألة، فهو يروي هنا قول صاحب،

<<  <  ج: ص:  >  >>