للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك أن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- إذا كانوا قد اعتادوا من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيقاع الصلاة في أول وقتها، ثم يأتي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصلي صلاتي الظهر والعصر مجموعة في وقت الثانية، أو الأولى، ثم يصلى المغرب والعشاء في وقت إحداهما، فيفعل في الحضر ما عُهد منه فعله في السفر، فكيف يسكت الصحابة عن ذلك؟ فلا يسألون، ولا يقوم أحدهم لكي يستفصل منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هل وقع ذلك نسخًا لمواقيت الصلاة؟ أم أن ذلك لتشريع خاص سوف يخبرهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما جدَّ فيه من الوحي؟ كما حدث في قصة ذي اليدين التي نقلها عدد من الصحابة، منهم: أبو هريرة وعمران بن حصين [راجع الأحاديث المتقدمة برقم (١٠٠٨ - ١٠١٨) ويدخل في هذا المعنى أيضًا: ما انتبه له عمر بن الخطاب أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتوضأ لكل صلاة، إلا أنه يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إني رأيتك صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه؟ قال: "عمدًا صنعته" [راجع: فضل الرحيم الودود (٢/ ٢٨٧/ ١٧٢)]، فإذا لم يُنقل شيءٌ من ذلك؛ علمنا يقينًا أن هذه الواقعة؛ إنما وقعت مراعاة لعذر طارئ من الأعذار المبيحة للجمع، مثل المطر ونحوه، ولذا تأوله مالك وأيوب السختياني بالمطر، ولا يُعارض ذلك بقول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته، فإيقاع الجمع في الحضر لأجل المطر هو عين رفع الحرج عنهم، لا كما ادعاه ابن المنذر.

والاحتجاج به للمريض قال به جماعة، قال مالك: "فالمريض أولى بالجمع لشدة ذلك عليه ولخفته على المسافر، وإنما الجمع رخصة لتعب السفر ومؤنته إذا جد به السير؛ فالمريض أتعب من المسافر وأشد مؤنة،. . .، فهو أولى بالرخصة، وهي به أشبه منها بالمسافر"، وقال الليث: "يجمع المريض"، وبه قال أحمد وإسحاق [المدونة (١/ ١١٦)، مسائل الكوسج (٣١٧)، شرح البخاري لابن بطال (٢/ ١٧٠)، التمهيد (١٢/ ٢١٦ و ٢١٨)، المغني (٢/ ٥٩)].

ومثل ذلك ما وقع لابن عباس في فهم ما كان من أمر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفسخ الحج إلى العمرة في حجة الوداع، ففهمه ابن عباس على الإيجاب مطلقًا، وأن الفسخ يلزم كل من أهل بالحج مفردًا، بينما فهمه أشياخ الصحابة مثل أبي بكر وعمر على دخول العمرة في الحج، خلافًا لما كانت تعتقده العرب في ذلك.

وكذلك ما وقع من اجتهادات لابن عباس، لخفاء بعض العلم عليه، أو لاستنباطها من نص آخر، فأقامها البعض مقام النص، وليس الأمر كذلك:

مثل: قوله بأنه لا ربا إلا في النسيئة، وأنه لا ربا فيما كان يدًا بيد [راجع: البخارى (٢١٧٨ و ٢١٧٩)، مسلم (١٥٩٦)].

ومثل: خفاء تحريم متعة النساء عليه حتى أعلمه علي بن أبي طالب بتحريمها، وأغلظ له القول، وكان مما قال له: "إنك رجل تائه" [راجع: البخاري (٥١١٥ و ٦٩٦١)، مسلم (١٤٠٧)، أبو عوانة (٣/ ٢٨/ ٤٠٧٩)].

ومثل: خفاء كون النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج ميمونة وهو حلال، فأخطأ ابن عباس وقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>