للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الجمع؛ نقول لمن احتجوا به على رفع الحرج بإطلاق: هل لكم أن تفعلوا مثل فعل ابن عباس، كأن يقوم الأمير فيخطب الناس حتى يخرج وقت الظهر، أو حتى يخرج وقت المغرب، فيجمع صلاة الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، فهل له ذلك؟

بل معنا في ذلك النص في حديث أبي ذر على المنع من ذلك، وقد تقدم ذكره.

وكذلك فإن الذي فعله ابن عباس هنا متأولًا بخبر الجمع في الحضر هو داخل في عموم ما نهى عنه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو عين ما أنكره جماعة من الصحابة والتابعين على ما وقع في عهد خلفاء بني أمية من تأخير الصلوات، مثل إنكار أبي مسعود الأنصاري على المغيرة بن شعبة، وإنكار عروة بن الزبير على عمر بن عبد العزيز [راجع فضل الرحيم الودود (٤/ ٣٦٨/ ٣٩٤)]، وإنكار ابن مسعود على أمراء وقته تأخير الصلاة عن وقتها [راجع فضل الرحيم الودود (٥/ ٢٨٨/ ٤٣٢)]، وقصة يزيد الضبي مع الحكم بن أيوب في إنكاره عليه تأخير الجمعة وهو يخطب [راجع فضل الرحيم الودود (٥/ ٥٢/ ٤٠٣)]، وغير ذلك، ولو كان للأمراء حق في تأخير الصلاة لحاجة، أو جمعها بالتي تليها، لما جاء الخبر في الإنكار عليهم، ولما أنكر عليهم الصحابة، والله أعلم.

وأخيرًا: فإن بقي في نفس المخالف شيء، فنقول له: لا شك أن حديث ابن عباس عندك من مشكل العلم ومتشابهه، وقد وجب علينا رد المتشابه إلى المحكم، وهو باب المواقيت بأدلتها والتي سبق أن ذكرت طرفًا يسيرًا منها، لذا قال أحمد في رد ظاهر هذا الحديث: "قد جاءت الأحاديث بتحديد المواقيت للظهر والعصر والمغرب والعشاء" [مسائل صالح (٥٨٢)]، والله أعلم.

* وعلى العكس من ذلك: فقد كان بعض الصحابة لا يرون الجمع بين الصلاتين في السفر جائزًا إلا من عذر زائد على وصف السفر، فقد تقدم النقل عن ابن عمر أنه كان يصلي الصلوات لوقتها في السفر، ولم يجمع بين المغرب والعشاء إلا لما جاءه خبر زوجته صفية، ونقل أيضًا عن أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا يصلون الصلاة لوقتها في السفر، وسئل الحسن عن جمع الصلاتين في السفر؟ فكان لا يعجبه ذلك إلا من عذر، وصح نحوه عن ابن سيرين، خلافًا لما تقدم نقله عنه [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (٢/ ٢١١/ ٨٢٤٧ - ٨٢٥١) و (٢/ ٢١٢/ ٨٢٥٥ و ٨٢٥٦)].

* ومما قال الشافعي في توجيه حديث ابن عباس:

قال الشافعي في الأم (١/ ٧٦): "فلما أمَّ جبريل رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحضرِ لا في مطرٍ، وقال: "ما بين هذين وقتٌ"، لم يكن لأحدٍ أن يعمدَ أن يصلى الصلاة في حضرٍ ولا في مطرٍ إلا في هذا الوقت، ولا صلاة إلا منفردةٌ؛ كما صلى جبريلُ برسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعدُ مقِيمًا في عمره، ولما جمع رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة آمنًا مقِيمًا لم يحتمل إلا أن يكونَ مخالفًا لهذا الحديث؛ أو يكون الحالُ التي جمع فيها حالًا غير الحال التي فرَّقَ فيها، فلم يَجُزْ أن يقال جَمعهُ في الحضرِ مخالفٌ لإفراده في الحضر، من

<<  <  ج: ص:  >  >>