للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تسليمةً واحدةً شديدةً، يكاد يوقظُ أهلَ البيت من شدَّة تسليمه، وفي رواية يزيد بن هارون: ثم يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا.

فعلى فرض أن بهزاً حفظ هذا الحرف هكذا من زرارة بن أوفى، فإنه يُرَدُّ في فهم معناه إلى رواية قتادة، والتي سبق أن قررت فيها: أن رواية همام عن قتادة [برقم (١٣٤٢)]: ثم يسلم حتى يسمعني التسليم، قد قطعت الاحتمال الوارد في رواية هشام الدستوائي، وكذا في رواية بندار عن ابن أبي عدي عن ابن أبي عروبة، والتي فيها: ويسلم تسليمةً يسمعُنا، والتي استدل بها بعضهم على اكتفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسليمة واحدة في الانصراف من الصلاة، وأنه قد رواه عن ابن أبي عدي: محمد بن المثنى [وهو أضبط من بندار وأتقن]، فقال: ثم يسلم تسليماً يسمعنا، وهي الرواية التي اختارها مسلم في صحيحه، وهكذا رواه عن ابن أبي عروبة قدماء أصحابه ممن سمعوا منه قبل الاختلاط، وممن هم أثبت الناس فيه، مثل: يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر، فقالوا: ثم يسلم تسليماً يسمعنا، فعبروا بالمصدر دون لفظ العدد، وهكذا رواه معمر عن قتادة، فبان بمجموع ذلك أن عائشة - رضي الله عنها - إنما أرادت بهذه الكلمة بيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع صوته بالتسليم حتى يوقظها للوتر، ولم تقصد بيان عدد مرات التسليم أهو تسليمة واحدة أم اثنتان، ورواية بهز هي في هذا السياق؛ لا سيما رواية يزيد بن هارون: ثم يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا؛ ففيها تعليل اختصاص ذكر التسليمة الواحدة، وهو أنه كان يرفع صوته بالتسليمة الأولى دون الثانية ليوقظ بها أهله، وقد ذهب إلى ذلك أحمد، والله أعلم.

* قال أبو داود في مسائله لأحمد (١٩٦٧): "سمعت أحمد، سئل عن حديث قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم تسليمة، قال: رواه عوف كذلك أيضاً".

قلت: لا يصح حديث مرفوع في التسليمة الواحدة، وقد تتابعت أقوال الأئمة في تضعيف ما روي في التسليمة الواحدة [راجع ذلك مفصلاً في: فضل الرحيم الودود (١٠/ ٤٨٤ - ٤٩٩/ ١٠٠٠)].

قال ابن القيم في الزاد (١/ ٢٥٩): "وأجود ما فيه حديث عائشة - رضي الله عنها -؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته، حتى يوقظنا، وهو حديث معلول، وهو في السنن، لكنه كان في قيام الليل، والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض والنفل، على أن حديث عائشة ليس صريحاً في الاقتصار على التسليمة الواحدة؛ بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة يوقظهم بها، ولم تنف الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتها عنها مقدماً على رواية من حفظها وضبطها، وهم أكثر عدداً، وأحاديثهم أصح، وكثير من أحاديثهم صحيح، والباقي حسان".

وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ٢١٠): "وقد حمله الإمام أحمد على أنه كان يجهر بالواحدة، ويسر الثانية".

<<  <  ج: ص:  >  >>