للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما اضطرب ما روي عن عروة في هذا عن عائشة من صفة وتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لم يكن فيما روى [يعني: عروة] عنها في ذلك حجة، ورجعنا إلى ما روى عنها غيره".

وأما ما عجز عن تأويله فقد رده، حيث يقول (١/ ٢٨٦): "غير أن ما رواه هشام بن عروة عن أبيه في ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن؛ لم نجد له معنى، وقد جاءت العامة عن أبيه وعن غيره عن عائشة -رضي الله عنها- بخلاف ذلك، فما روته العامة أولى مما رواه هو وحده وانفرد به"، وقد سبق قبل أن نقلت قول من صححه أو احتج به في موضعه؛ فهو حديث صحيح، صححه مسلم، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، وغيرهم، واحتج به: أحمد، وأبو داود، والنسائي.

قال القرطبي في المفهم (٢/ ٣٦٧): "قد أشكلت هذه الأحاديث على كثير من العلماء حتى إن بعضهم نسبوا حديث عائشة في صلاة الليل إلى الاضطراب.

وهذا إنما كان يصح لو كان الراوي عنها واحدًا أو أخبرت عن وقتٍ واحدٍ، والصحيح أن كل ما ذكرته صحيح من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز".

وقد أطال القاضي عياض في إكمال المعلم (٣/ ٨١) في بيان وجوه الجمع بين أحاديث الباب، لا سيما طرق حديث عائشة، وقد اختصره ابن الملقن بشيء من التصرف فقال في التوضيح (٩/ ٧٧)، وكذا في الإعلام (٣/ ٥٤٣): "وذكر القاضي عياض عن العلماء: أن كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة أخبر بما شاهد، وأما الاختلاف في حديث عائشة؛ فقيل: منها، وقيل: من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة منهن الوتر [هو] الأغلب، وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرًا في بعض الأوقات، وأكثره: خمس عشرة بركعتي الفجر، وأقله: سبع.

وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه، بطول قراءة [كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود]، أو لنوم، أو لعذر أمن، مرض أو غيره، أو في بعض الأوقات عند كبر السن، كما قالت [عائشة]: لما أسنَّ صلى سبع ركعات، أو تارة تَعُدُّ الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل، كما رواها زيد [بن خالد]، وروتها عائشة [في صحيح مسلم]، وتعُدُّ ركعتي الفجر تارةً، وتحذفها تارةً، أو تعُدُّ أحدهما [كذا]، وقد تكون عدَّت راتبة العشاء مع ذلك تارةً، وحذفتها تارةً".

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٣/ ١٠): "المثال الثالث والسبعون: ردُّ السُّنَّة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة؛ كحديث أم سلمة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام، رواه الإمام أحمد، وكقول عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرهن، متفق عليه [قلت: انفرد به مسلم]، وكحديث عائشة -رضي الله عنها-؛ أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، ... "، فذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>