للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الواحدة حديث عائشة: كنت أطيب النبي -صلى الله عليه وسلم- لحرمه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. ومعلوم أن عائشة لم تحج معه إلا حجة الوداع، ولا يقال: لعلها طيبته لحله قبل أن يطوف بالبيت في العمرة أيضًا، فاقتضت التكرار؛ لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع.

إذا تقرر هذا؛ فقولها: كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، مع ما ثبت في الصحيح عنها: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم بتسع ركعات، وكان يقوم بإحدى عشرة منهن الوتر، يسلم من كل ركعتين، وكان يركع ركعتي الفجر إذا جاء المؤذن، وعنها: كان يقوم بثلاث عشرة بركعتي الفجر، وعنها: كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة: أربعًا، أربعًا، وثلاثًا، وعنها: كان يصلي ثلاث عشرة: ثمانيًا، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يصلي ركعتي الفجر، وقد فسرتهما في الحديث الآخر: منها ركعتي الفجر، وعنها في البخاري: أن صلاته بالليل سبع أو تسع، يقتضي كل ذلك عدم التكرار والدوام".

* قلت: والحاصل؛ فإن حديث هشام بن عروة عن أبيه حديث مستقل، حدثه به أبوه عروة، بصفة مستقلة لصلاة الليل غير ما حدث به الزهري، وعروة يحتمل منه التعدد، كما أن هشامًا: ثقة ثبت، قال فيه أبو حاتم؛ وهو أحد المتشددين: داثقة، إمام في الحديث"، وقد روى عنه هذا الحديث جمع غفير من الثقات، فهو حديث ثابت لا مطعن فيه. ولم ينفرد به هشام عن أبيه؛ بل تابعه: ابن عمه محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام، وهو: ثقة فقيه، وابن عمه الآخر: عمر بن مصعب بن الزبير، وهو: لا بأس به في المتابعات، وراجع كلامي بالتفصيل في تصحيحه في موضعه السابق.

وأما حديث سعد بن هشام، فهو: تابعي ثقة، لقي عائشة وهو كبير، فيصعب توهيمه بغير حجة، لا سيما ولم يتكلم فيه الأئمة بجرح، ولم يوهنوه لأجل هذا الحديث مع اشتهاره وبلوغه الآفاق، وكون عائشة قد اختصته بصفة خاصة من قيام الليل غير مستبعد، كما اختصت غيره.

* وفي الجملة: فإنه ليس هناك عدد معين مؤقت لقيام الليل، ولا صفة بعينها يجب لزومها، وإنما ذلك بحسب النشاط والتيسير واتساع الوقت، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر: "صلاة الليل مثنى مثنى" قاضٍ بجواز الزيادة على أكثر ما ثبت من فعله -صلى الله عليه وسلم- من الثلاث عشرة ركعة، وأما هيئات صلاة الوتر، فسيأتي بحثها في بابها، وخلاصتها: أنه لا يؤتى فيها بصورة محدثة سوى ما ثبت من فعله -صلى الله عليه وسلم-.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لم يوقِّت النبي -صلى الله عليه وسلم- في قيام رمضان عددًا معينًا"، ثم ذكر هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، ومذاهب السلف والعلماء، ثم قال: "وهذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين"، ثم قال: "ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير

<<  <  ج: ص:  >  >>