للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسبق أنْ قُلْنا مثلاً: إنك تفضل الحديد إنْ كان مستقيماً، أما إنْ أردتَ خُطَّافاً فالاعوجاج خير من الاستقامة، أو: أن اعوجاجه هو عين الاستقامة فيه، فكل شيء في الوجود مخلوق لغاية ولمهمة ولا يكون جميلاً ولا يكون خَيْراً إلا إذا أدى مهمته في الحياة، فمن أين جاء إبليس بخيرية النار على الطين؟

والنار الأصل فيها الخشب الذي توقد به، والخشب من الطين، إذن: فالطين قبل النار وأفضل منه، فقياس إبليس إذن قياس خاطئ.

ومعنى: {خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: ٦١] يعني: خلقته حال كونه من الطين، أو خلقتَه من طين، والخَلْق من الطين مرحلة من مراحل الخَلْق؛ لأن الخَلْق المباشر له مراحل سبقته.

فقوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي. .} [الحجر: ٢٩]

سبقتْه مراحل متعددة، قال عنها الخالق سبحانه مرة: من الماء. ومرة: من التراب. ومرة: من الطين. والماء إذا خُلِط بالتراب صار طيناً، وبمرور الوقت يسودُّ هذا الطين، وتتغير رائحته، فيتحول إلى حمأ مسنون.

وما أشبهَ الحمأ المسنون بما يفعله أهل الريف في صناعة الطوب، حيث يخلطون الماء بالتراب بالقشِّ، ويتركونه فترة حتى يختمر ويأكل بعضه بعضاً، وتتغير رائحته ويعطَن، ثم يصبُّونه في قوالب. فإذا ما تُرِك الطين حتى يجفّ، ويتحول إلى الصلابة يصير صَلْصَالاً كالفخَّار، يعني يُحدث رنّة إذا طرقت عليه.

وبعد كل هذه المراحل يقول تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: ٢٩]

إذن: لا وَجْه للاعتراض على القرآن في قوله عن خلق الإنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>