صحيح أن في الأولى إثباتاً وفي الأخرى نفياً، والنظرة العَجْلَى تقول: إن ثمة تعارضاً بين الآيتين، مما حمل العلماء على القول بأن (لا) في الآية الثانية زائدة، فالأصل {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ. .}[ص: ٧٥]
والقول بوجود حروف زائدة في كتاب الله قول لا يليق، ونُنزّه المتكلم سبحانه أن يكون في كلامه زيادة، والمتأدب منهم يقول (لا) حرف وَصْل، كأنه يستنكف أن يقول: زائدة.
والحقيقة أن (لا) هنا ليست زائدة، وليست للوَصْل، بل هي تأسيس يضيف معنى جديداً، لأن {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ. .}[ص: ٧٥] كأنه همَّ أن يسجد، فجاءه مَنْ يمنعه عن السجود، لأنه لا يقال: ما منع من كذا إلا إذا كان لديك استعداد للفعل، وإلا من أيّ شيء سيمنعك؟
أما و {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ. .}[الأعراف: ١٢] تعني: ما منعك بإقناعك بأن لا تسجد، فالمعنيان مختلفان، ونحن في حاجة إليهما معاً.
ثم يقول تعالى:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً. .}[الإسراء: ٦١]
والهمزة للاستفهام الذي يحمل معنى الاعتراض أو الاستنكار، وقد فُسِّرت هذه الآية بآيات أخرى، مثل قوله تعالى:{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}[الأعراف: ١٢]
فالمخلوقية لله مُتفق عليها، إنما الاختلاف في عنصر المخلوقية هذا من نار وهذا من طين، لكن من قال لك يا إبليس: إن النار فوق الطين، أو خير منه؟ من أين أتيتَ بهذه المقولة وكلاهما مخلوق لله، وله مهمة في الكون؟ وهل نستطيع أن نقول: إن العين خير من الأذن مثلاً؟ أم أن لكل منهما مهمتها التي لا تؤديها الأخرى؟