بأنه صالح للاختيار في العصيان، ومع ذلك ألزم نفسه منهج الله.
فإذا أصبح في منزلة أعلى من الملائكة وأصبح في حضرتهم، فإن الأمر إذا توجَّه إلى الأدنى في الطاعة فإن الأعلى أَوْلَى بهذا الأمر، وكذلك إن اعتبرناه أقلّ منهم منزلة، وجاء الأمر للملائكة بالسجود فإن الأمر للأعلى أمر كذلك للأدنى، وهكذا إنْ كان أعلى فعليه أن يسجد، وإنْ كان أدنى فعليه أنْ يسجدَ.
وقد ضربنا لذلك مثلاً ولله المثل الأعلى إذا دخل رئيس الجمهورية على الوزراء فإنهم يقومون له إجلالاً واحتراماً، وهَبْ أن معهم وكلاء وزارات فإنهم سوف يقومون أيضاً؛ لأنهم ارتفعوا إلى مكان وجودهم.
ومن الإشكالات التي أثارها المستشرقون حول هذا الموضوع اعتراضهم على قول القرآن عن إبليس مرة {أبى} ومرة أخرى {استكبر} ومرة {أبى واستكبر} ، وكذلك قوله مرة:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ. .}[ص: ٧٥] ومرة أخرى يقول: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ. .}[الأعراف: ١٢]
وقد سبق أن تحدثنا عن قصور هؤلاء في فَهْم أساليب العربية؛ لأنها ليستْ لديهم ملَكَة، والمتأمل في هذه الأساليب يجدها منسجمة يُكمل بعضها بعضاً.
فالإباء قد يكون مجرد امتناع لا عن استكبار، فالحق سبحانه يريد أن يقول: إنه أبى استكباراً، فتنوّع الأسلوب القرآني ليعطينا هذا المعنى.
أما قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ. .}[ص: ٧٥] و {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ. .}[الأعراف: ١٢]