يشعرنا بأن الحق أتي بنفسه؛ لأنه نسب المجيء إلى الحق كأنه أمر ذاتيّ فيه، فلم يأْتِ به أحد، وكذلك في:{وَزَهَقَ الباطل. .}[الإسراء: ٨١] فالباطل بطبيعته زاهق مُندحر ضعيف لا بقاءَ له. «ومن العجيب أن الحق الذي جاء على يد رسول الله في فتح مكة انتفع به حتى مَنْ لم يؤمن، ففي يوم الفتح تتجلى صورة من صور العظمة في دين الإسلام، حين يجمع رسول الله أهل مكة الذين عاندوا وتكبَّروا وأخرجوا رسول الله من أحب البلاد إليه، وها هو اليوم يدخلها منتصراً ويُوقِفهم أمامه ويقول:» ما تظنون أني فاعل بكم؟ «قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال:» اذهبوا فأنتم الطلقاء «» .
إذن: جاء الحق ليس لاستعباد الناس، ولكن لراحتهم ورَفْع رؤوسهم. ومن الحق الذي أظل مكة بالفتح ما يُرْوَى أن واحداً دخل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الكعبة وأراد إيذاءه، وحينما وضع يده على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تبدَّل حاله وقال: فوالله لقد أقبلت عليه، وما في الأرض أبغض إليَّ منه، فحين وضعت يدي عنده فوالله ما في الأرض أحب إليَّ منه، وهكذا جاء الحق وزهق الباطل.