زَهُوق صيغة مبالغة، فالباطل نفسه سريعاً ما يذهب ويندثر، ومن العَجَب أن ترى الباطل نفسه من جنود الله؛ لأن الباطل لو لم يُؤلم الناس ويُزعجهم ما تشوَّقوا للحق وما مالوا إليه، فإذا ما لدغهم الباطل واكتَووْا بناره عرفوا الحق.
وقد ضرب لنا الحق سبحانه وتعالى مثلاً للحق وللباطل، فقال:{أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال}[الرعد: ١٧]
الحق سبحانه يُمثِّل للحق وللباطل بشيء حِسّيٍّ نراه حينما ينهمر المطر على قمم الجبال، فيسيل الماء على الأودية بين الجبال حاملاً معه صغار الحصى والرمال والقشِّ، وهذا هو الزَّبَد الذي يطفو على صفحة الماء ولا ينتفع الناس به، وهذا الماء مثالٌ للحق الذي ينفع الناس، والزَّبَد مثال للباطل الذي لا خَيْر فيه.
أو: يعطينا المثال في صورة أخرى: صورة الحداد أو الصائغ الذي يُوقِد النار على الذهب ليخرج منه ما علق به من شوائب.
ثم يقول الحق سبحانه:{وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ... } .