ثم يقول تعالى:{وبالحق نَزَلَ. .}[الإسراء: ١٠٥] الأولى كانت: {وبالحق أَنْزَلْنَاهُ. .}[الإسراء: ١٠٥]
أي: الوسائل التي نزل بها كلمة ثابتة، وكلها حَقٌّ لا رَيْبَ فيه ولا شَكَّ {وبالحق نَزَلَ. .}[الإسراء: ١٠٥] أي: مضمونه، وما جاء به منهج، معجزة حقٌّ لأنه تحدّى الفُصَحاء والبلغاء وأهل اللغة فأعجزهم في كل مراحل التحدي، والقرآن يحتوي على منهج حق.
وأول شيء في منهج القرآن أنّه تكلّم عن العقائد التي هي الأصْل الأصيل لكل دين، فقبل أنْ أقول لك: قال الله، وأَمَر الله لا بُدَّ أن تعرف أولاً مَنْ هو الله، ومَنْ الرسول الذي بلَّغ عن الله، فالعقائد هي ينبوع السُّلوكيات.
إذن: تعرّض القرآن للإلهيات، وأوضح أن الله تعالى إله واحد له صفات الكمال المطلق، وتعرَّض للملائكة وللنبوات والمعجزات والمعاد واليوم الآخر، كُلُّ هذا في العقائد؛ لأن الإسلام حرصَ أولاً على تربية العقيدة، فكانت الدعوة في مكة تُركّز على هذا الجانب دون غيره من جوانب الدين لِيُربّيَ في المسلمين هذا الأصل الأصيل، وهو الاستسلام لله، وإلقاء الزمام إليه سبحانه وتعالى.
والإنسان لا يُلقي زمام حركته إلا لمَنْ يثق به، فلا بُدَّ إذنْ من معرفة الله تعالى، ثم الإيمان به تعالى، ثم التصديق للمبلّغ عن الله.
وفي القرآن أيضاً أحكامٌ وشرائع ثابتة لا تتغير، ولن تُنسَخ بشريعة أخرى؛ لأنها الشريعة الخاتمة، كما قال تعالى:{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}[المائدة: ٣]