أي: بعد أن خلق الخَلْق كل بسمائه وأرضه وما فيهما استوى على العرش؛ لأن الاستواء على العرش يعني أن كل شيء تَمَّ له سبحانه خَلْقاً وإيجاداً، وانتهى إلى الجلوس على العرش، وهذا تمثيل بالملوك الذين لا يجلسون على العرش إلا بعد أنْ يستتبّ لهم الأمر، فجلوس الملك على العرش يعني أنه الأوحد الذي لا يعارضه أحد.
فالحق سبحانه ينبهنا بقوله:{ثُمَّ استوى عَلَى العرش الرحمن فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً}[الفرقان: ٥٩] واختار صفة الرحمة لِيُوحِي لنا أن قعوده على العرش لا يعني القَهْر والجبروت، إنما قعد على عرشه رحمةً بكم، قعد على العرش ليُنظّم حياتكم، ويرحم بعضكم ببعض، فتسعدوا بالحياة، فالاستواء هنا لا استواءَ قهر وغلبة، بل استواء رحمة لمصلحتكم أنتم.
وفي آية أخرى قال:{الرحمن عَلَى العرش استوى}[طه: ٥]
وقد ورد استواؤه سبحانه على العرش في سبعة مواضع في كتاب الله، نظمها الناظم في قوله:
وَذكْرُ اسْتواء الله في كَلماتِهِ ... علَى العَرْشِ فِي سَبْع مَواضِعَ فَاعْدُدِ
فَفِي سُورَة الأعرافِ ثمة يُونُس ... وفي الرعْدِ مع طَه فلْلعَدِّ أكدِ
وكل صفة من صفات جلاله سبحانه إنما هي في خدمة رحمانيته، لأنه يُخَوِّف عباده بصفات الجلال حتى لا يقعوا في المخالفة، فيأخذوا نعمة الله في الدنيا، ويسعدوا بها، ويأخذوا نعيم الآخرة فيسعدوا بها، فهي إذن الرحمانية المستولية والسمة العامة لمنهج الله في الدنيا والآخرة.