هذه المسألة إلا بوحي من الله؛ لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يصدر عن رأيه.
ولو كان لهؤلاء القوم عقول لفهموا أن البُطْءَ في هذه المسألة دليلُ صِدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ لذلك جاءت قصة موسى هنا لتردَّ على مهاترات القوم، وتُبيِّن لهم أن النبي لا يعلم كل شيء، وهل المفروض فيه أن يجيبكم عن كل شيء؟ وهل يقدح في مكانته أنه لا يعرف مسألة ما؟
جاءت هذه الآيات لتقول لليهود ومَنْ لَفَّ لَفَّهم من كفار مكة: أنتم متعصبون لموسى وللتوراة ولليهودية، وهاهو موسى يتعلم ليس من الله، بل يتعلم من عبد مثله، ويسير تابعاً له طلباً للعلم.
جاءت الآيات لتقول لهم: يا مَنْ لقنتم كفار مكة هذه الأسئلة وأظهرتم الشماتة بمحمد حينما أبطأ عليه الوحي، اعلموا أن إبطاء الوحي لتعلموا أن محمداً لا يقول شيئاً من عند نفسه، فكان من الواجب أنْ تلفتكم هذه المسألة إلى صدق محمد وأمانته، وما هو على الغيب بضنين.
وسبب قصة موسى عليه السلام يُقال: إنه سأل الله وكان له دلال على ربه:
{رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ. .}[الأعراف: ١٤٣] والذي أطمعه في هذا المطلب أن الله كلَّمه: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى}[طه: ١٧] فأطال موسى الكلام مع ربه، ومَنْ الذي يكلمه الله ولا يطيل أمد الأُنْس بكلام الله؟ لذلك قال موسى:{هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى}[طه: ١٨]