وهكذا أطال موسى مدة الأنس بالله والحديث معه سبحانه، لذلك سأله: يا ربّ، أيوجد في الأرض أعلم مني؟ فأجابه ربُّه تبارك وتعالى: نعم في الأرض مَنْ هو أعلم منك، فاذهب إلى مجمع البحرين، وهناك ستجد عبداً من عبيدي هو أعلم منك، فأخذ موسى فتاه وذهب إلى مَجْمع البحرين.
وقد ورد في حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن موسى عليه السلام خطب مرة فسُئِل: مَنْ أعلم؟ فقال: أنا يعني من البشر، فأخبره الله تعالى: لا بل في الأرض من هو أعلم منك من البشر حتى لا يغتَرَّ موسى عليه السلام بما أعلمه الله.
ثم يقول تعالى:{لا أَبْرَحُ حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين}[الكهف: ٦٠]
لا أبرح: أي لا أترك، والبعض يظن أن لا أبرح تعني: لا أترك مكاني الذي أنا فيه، لكنها تعني: لا أترك ما أنا بصدده، فإنْ كنتُ قاعداً لا أترك القعود، وإنْ كنتُ ماشياً لا أترك المشي، وقد قال موسى عليه السلام هذا القول وهو يبتغي بين البحرين، ويسير متجهاً إليه، فيكون المعنى: لا أترك السير إلى هذا المكان حتى أبلغ مجمع البحرين.
وقد وردت مادة (برح) في قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حتى يَأْذَنَ لي أبي. .}[يوسف: ٨٠] قالها كبيرهم بعد أن أخذ يوسف أخاه بنيامين ومنعه من الذهاب معهم، فهنا استحى الأخ الأكبر من مواجهة أبيه الذي أخذ عليهم العهد والميثاق أنْ يأتوا به ويُعيدوه إليه.