الحق سبحانه وتعالى يبلغنا أنه قال لنبي بني إسرائيل:
أنتم الذين طلبتم القتال وأنتم الملأ أي أشراف القوم وأتيتم بالعلة الموجبة للقتال وهي أنكم أخرجتم من دياركم وأبنائكم أي بلغ بكم الهوان أنه لم تعد لكم ديار، وبلغ بكم الهوان أنه لم يعد لكم أبناء بعد أن أسرهم عدوكم. إذن علة طلب القتال موجودة، ومع ذلك قال لهم النبي:{هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} لقد أوضح لهم نبيهم الشرط وقال: إنني أخاف أن آتي لكم بملك كي تقاتلوا في سبيل الله، وبعد ذلك يفرض الله عليكم القتال، وعندما نأتي للأمر الواقع لا نجد لكم عزما على القتال وتتخاذلون.
لكنهم قالوا:{وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} . . انظر إلى الدقة في قولهم:{فِي سَبِيلِ الله} وتعليق ذلك السبيل على أنهم أخرجوا من ديارهم وأبنائهم! لقد أرادوا أن يقلبوا المسألة وأن يقولوا: إن القتال في سبيل الله بعد أن عضتهم التجربة فيما يحبون من الديار والأبناء، إذن فالله هو الملجأ في كل أمر، وقبل سبحانه منهم قولهم، واعتبر قتالهم في سبيله.
وكان إخراجهم من ديارهم أمراً معقولاً، لكن كيف يخرجون من أبنائهم؟ ربما كانوا قد تركوا أبناءهم للعدو، وربما أخذهم العدو أسرى. لكنهم هم الذين أخرجوا من ديارهم، وينطبق عليهم في علاقتهم بالأبناء قول الشاعر:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ... ألا تفارقهم فالراحلون همو
وانظر إلى التمحيص، إنهم ملأ من بني إسرائيل وذهبوا إلى نبي وقالوا له: ابعث لنا ملكا حتى يجعلوها حربا مشروعة ليقاتلوا في سبيل الله، وقال لهم النبي ما قال وردوا عليه هم:{وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ الله} يعني وكيف لا نقاتل في سبيل الله؟
وجاء لهم الأمر بالقتال في قوله تعالى:{فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال تَوَلَّوْاْ} إن قوله: {كُتِبَ} لأنهم هم الذي طلبوا تشريع القتال فجعلهم الله داخلين في العقد فجاء