وإنما أطمعته البُشْرى في أنْ يعرف الكيفية، كما حدث في قصة موسى عليه السلام حينما كلَّمه ربه واختاره، وأفرده بهذه الميزة فأغراه الكلام في أنْ يطلب الرؤيا، فقال:{رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف: ١٤٣] .
وكما حدث في قصة إبراهيم عليه السلام لما قال لربه:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى}[البقرة: ٢٦٠] وأبو الأنبياء لا يشكّ في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، ولكنه يريد أنْ يعرف هذه الطريقة العجيبة، فالكلام ليس في الحقيقة وجوداً وعدماً، إنما في كيفية وجود الحقيقة، والكلام في الكيفية لا دخْلَ له بالوجود.
فأخبره الحق سبحانه أن هذه المسألة لا تُقال إنما تُباشَر عملياً، فأمره بما نعلم من هذه القصة: وهو أن يحضر أربعة من الطير بنفسه، ثم يضمهنّ إليه ليتأكد بنفسه من حقيقتها، ثم أمره أنْ يُقطِّعهن أجزاء، ثم يُفرِّق هذه الأجزاء على قمم الجبال، ثم بعد ذلك ترك له الخالق سبحانه أنْ يدْعُوَهُن بنفسه، وأن يصدر الأمر منه فتتجمع هذه القطع المبعثرة وتدبّ فيها الحياة من جديد، وهذا من مظاهر عظمته سبحانه وتعالى أنه لم يفعل، بل جعل مَنْ لا يستطيع ذلك يفعله. ويقدر عليه.
فإنْ كان البشر يُعَدُّون أثر قدرتهم إلى الضعفاء، فمَنْ لا يقدر على حَمْل شيء يأتي بمَنْ يحمله له، ومَنْ يعجز عن عمل شيء يأتي بمَنْ يقوم به، ويظل هو ضعيفاً لا يقدر على شيء، أما الحق سبحانه وتعالى فيُعدِّي قوته بنفسه إلى الضعيف فيصير قوياً قادراً على الفعل.