مائية، في حين لا يصبر على الهواء لحظة واحدة، ويمكن أنْ يموتَ من كَتْم نفَسٍ واحد.
لذلك، من حكمة الخالق سبحانه وتعالى أن يُملِّك الطعام كثيراً، ويُملك الماء قليلاً، ولا يُملِّك الهواء لأحد أبداً، لأنك لو غضبتَ على أحد فمنعتَ عنه الهواء لمات قبل أنْ ترضى عنه، إذن: فعناصر استبقاء الحياة مرتبة حَسْب أهميتها في حياة الإنسان، وقد ضمنها الحق سبحانه لمريم وجعلها في متناول يدها وأغناها عن أنْ يخدمها أحد.
فالهواء موجود وهي في الخلاء، ثم الماء فأجري تحتها نهراً عذباً زلالاً، ثم الطعام فقال:{وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}[مريم: ٢٥] وكأن الحق تبارك وتعالى يريد أنْ يُظهِر لمريم آية أخرى من آياته، فأمرها أنْ تهزَّ جذع النخلة اليابس الذي لا يستطيع هَزَّه الرجل القويّ، فما بالها وهي الضعيفة التي تعاني ألم الولادة ومشاقها؟
كما أن الحق سبحانه قادر على أنْ يُنزِل لها طعامها دون جَهْد منها ودون هَزِّها، إنما أراد سبحانه أن يجمع لها بين شيئين: طلب الأسباب والاعتماد على المسبب، والأخذ بالأسباب في هَزِّ النخلة، رغم أنها متعبة قد أرهقها الحمل والولادة، وجاء بها إلى النخلة لتستند إليها وتتشبث بها في وحدتها لنعلم أن الإنسان في سعيه مُطَالب بالأخذ بالأسباب مهما كان ضعيفاً.
لذلك أبقى لمريم اتخاذ الأسباب مع ضَعْفها وعدم قدرتها، ثم