كما أن الآية الأولى ذكرت:{فَأَلْقِيهِ فِي اليم}[القصص: ٧] ولم تذكر التابوت كما في الآية الأخرى: {أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم}[طه: ٣٩] .
إذن: ليس في المسألة تكرار كما يدَّعي المغرضون؛ فكل منهما تتحدث عن حال معين ومرحلة من مراحل القصة.
ثم يقول تعالى:{واذكر فِي الكتاب موسى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً}[مريم: ٥١] من خَلّصَ شيئا من أشياء، أي: استخرج شيئاً من أشياء كانت مختلطة به، كما نستخلص مثلاً العطور من الزهور، فقد أخذت الجيد وتركت الرديء، وبالنسبة للإنسان نقول: فلان مُخلص لأن الإنسان مركب من ملكات متعددة لتخدم كل حركة في الحياة، وكل مَلَكَة من ملَكَاته، أو جهاز من أجهزته له مهمة يؤديها، إلا أنها قد تدخل عليها أشياء ليست من مهمته، أو تخرج عن غاياتها فتحدث فيه بعض الشوائب، فيحتاج الإنسان لأنْ يُخلِّص نفسه من هذه الشوائب.
فمثلاً، الحق تبارك وتعالى جعل التقاء الرجل والمرأة لهدف محدد، وهو بقاء النوع؛ لذلك تجد الحيوان المحكوم بالغريزة لا بالعقل والاختيار إذا أدى كُلُّ من الذكر والأنثى هذه المهمة لا يمكن أنْ تُمكِّن الأنثى الذكر منها، وكذلك الذكر لا يأتي الأنثى إذا علم من رائحتها أنها حامل.
إذن: وقف الحيوان بهذه الغريزة عند مهمتها، وهي حفظ النوع، لكن الإنسان لم يقف بهذه الغريزة عند حدودها، بل جعلها مُتعةً شخصية يأتي حِفْظ النوع تابعاً لها.