وكذلك الحال في غريزة الطعام، فالإنسان إذا جاع يحتاج بغريزته إلى أنْ يأكلَ، والحكمة من ذلك استبقاء الحياة، لا الامتلاء باللحم والشحم. فالحيوان يقف بهذه الغريزة عند حَدِّها، فإذا شبع لا يمكن أنْ تُجبره على عود برسيم واحد فوق ما أكل.
أما في الإنسان فالأمر مختلف تماماً، فيأكل الإنسان حتى الشِّبَع، ثم حتى التُّخْمة، ولا مانع بعد ذلك من الحلو والمشروبات وخلافه؛ لذلك وضع لنا الخالق سبحانه وتعالى المنهج الذي يُنظّم لنا هذه الغريزة، فقال تعالى:{وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا}[الأعراف: ٣١] .
وفي الحديث الشريف:«بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمْنَ صُلْبه، فإن كان ولا بُدَّ فاعلاً، فثُلث لطعامه، وثُلث لشرابه، وثُلث لنفَسِه» .
ومن الغرائز أيضاً غريزة حب الاستطلاع، فالإنسان يحب أن يعرف ما عند الآخر ليحدث بين الناس الترقي اللازم لحركة الحياة، ومعرفة أسرار الله في الكون، وهذا هو الحد المقبول أما أن يتحول حب الاستطلاع إلى التجسس وتتبّع عورات الآخرين، فهذا لا يُقبل ويُعَدُّ من شوائب النفوس، يحتاج إلى أنْ نُخلِّص أنفسنا منه.
إذن: لكل غريزة حكمة ومهمة يجب ألاَّ نخرج عنها، والمُخْلَص هو الذي يقف بغرائزه عند حَدِّها لا يتعدَّاها ويخلصها من الشوائب التي تحوط بها. وهذه الصفة إمّا أنْ يكرم الله بها العبد فيُخلِّصه من