إذن: حينما تُجرون مُقارنة بينكم وبين المؤمنين وتُعيِّرونهم بما معكم من زينة الدنيا، فقد قارنتم الوسائل وطرحتُم الغايات، ومن الغباء أنْ نهتم بالوسائل وننسى الغايات، فلكي تكون المقارنةُ صحيحة فقارنوا حالكم بحال المؤمنين، بداية ونهاية.
ومثال ذلك: فلاح مجتهد في زراعته يعتني بها ويُعفِّر نفسه من تراب أرضه كل يوم، وآخر ينعَم بالثياب النظيفة والجلوس على المقهى والتسكع هنا وهناك، وينظر إلى صاحبه الذي أجهده العمل، ويرى نفسه أفضل منه، فإذا ما جاء وقت الحصاد وجد الأولُ ثمرة تعبه ونتيجة مجهوده، وجلس الآخر حزيناً محروماً. فلا بُدَّ أن تأخذ في الاعتبار عند المقارنة الوسائل مع الغايات.
وقد عزل الكفار الوسيلة في الدنيا عن الغاية في الآخرة، فتباهوا وعَيَّروا المؤمنين:{أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً}[مريم: ٧٣] .
وفي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرِّقُوهُ}[العنكبوت: ٢٤] .
وهكذا اتفقوا على الإحراق، ونجَّى الله نبيه وخيَّب سَعْيهم، ثم كانت الغاية في الآخرة:{وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم مِّن دُونِ الله أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحياة الدنيا ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ}[العنكبوت: ٢٥] .
فكان عليهم ألاَّ ينظروا إلى الوسيلة منفصلةً عن غايتها.
وهنا يردُّ الحق تبارك وتعالى على هؤلاء المغترِّين بنعمة الله: