{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً}[مريم: ٧٤] وكما قال في آيات أخرى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العماد التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد}[الفجر: ٦١٠] .
وهلاك هؤلاء وأمثالهم سَهْل لا يكلف الحق سبحانه إلا أنْ تهُبَّ عليهم عواصف الرمال، فتطمس حضارتهم، وتجعهلم أثراً بعد عَيْن.
فدعاهم إلى النظر في التاريخ، والتأمّل في عاقبة أمثالهم من الكفرة والمكذبين، وما عساه أنْ يُغني عنهم من المقام والندىّ الذي يتباهون به، وهل وسائل الدنيا هذه تدفع عنهم الغاية التي تنتظرهم في الآخرة؟
وكأن الحق تبارك وتعالى لا يردّ عليهم بكلام نظري يقول: إن عاقبتكم كذا وكذا من العذاب، بل يعطيهم مثالاً من الواقع.
ويخاطب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله:{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ}[غافر: ٧٧] أي: من القهر والهزيمة والانكسار {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[غافر: ٧٧] فمَنْ أفلت من عذاب الدنيا، فلن يفلت من عذاب الآخرة.
والقرآن حين يدعوهم إلى النظر في عاقبة من قبلهم {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ}[مريم: ٧٤] فإنما يحثُّهم على أخْذ العِبْرة والعِظَة ممَّنْ سبقوهم، ويستدل بواقع شيء حاضر على صِدْق غيْبٍ آتٍ، فالحضارات التي سبقتهم والتي لم يوجد مثلها في البلاد، وكان من