فالمصطفى من الملائكة يتقبَّل من الله، ويعطي للمصطفى من البشر؛ لأن الأعلى لا يمكن أنْ يلتقي بالأدنى مباشرة {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ}[الشورى: ٥١] .
فاستعداد الإنسان وطبيعته لا تُؤهّله لهذا اللقاء، كيف ولما تجلَّى الحق سبحانه للجبل جعله دَكّاً، ومن عظمته سبحانه أننا لا نراه ولا نتكلم معه مباشرة، ولا نُحِسّه بأيّ حاسة من حواسنا، ولو حُسَّ الإله بأيِّ حاسة ما استحق أنْ يكونَ إلهاً.
وكيف يُحَسُّ الحق تبارك وتعالى ومن خَلْقه وصَنْعته مَا لا يُحَسُّ، كالروح مثلاً؟ فنحن لا نعلم كُنْهها، ولا أين هي، ولا نُحِسّها بأيّ حاسّة من حواسنا، فإذا كانت الروح المخلوقة لم نستطع أنْ ندركها، فكيف ندرك خالقها؟
الحق الذي يدَّعيه الناس ويتمسَّحون فيه، ويفخر كل منهم أنه يقول كلمة الحق، وكذلك العدل وغيرها من المعاني: أتدركها، أتعرف لها شكلاً؟ فكيف إذن تطمع في أنْ تدرك الخالق عَزَّ وَجَلَّ؟
إذن: من عظمته سبحانه أنه لا تدركه الحواس، ولا يلتقي بالخَلْق لقاءً مباشراً، فالمصطفى من الملائكة يأخذ عن الله، ويعطي للمصطفى من الخَلْق، ثم المصطفى من الخَلْق يعطي للخَلْق، ومع ذلك كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يجهد، ويتصبَّب جبينه عَرَقاً في أول الوحي؟
ولذلك شاء الحق سبحانه أنْ يحجبَ الوحي عن رسوله فترة ليستريح من مباشرة المَلِك له، وبانقطاع الوحي تبقى لرسول الله