يؤمن به بعض من الناس ويحاربون معه، وينتصر الرسول وتستقر مبادئ الله في الأرض، ثم تمر فترة وتأتي الغفلة فيحدث الخلاف، فهناك أناس يتمسكون بمنهج الله، وأناس يفرطون في هذا المنهج، ويحدث الخلاف وتقوم المعارك.
ولو كان الحق سبحانه وتعالى يريد الكون بلا معارك بين حق وباطل لجعل الحق مسيطراً سيطرة تسخير. لكن الله تعالى أعطانا تمكيناً، وأعطانا اختباراً؛ لذلك نجد من ينشأ مؤمناً، ومن ينشأ كافراً، نجد الطائع، ونجد العاصي، هذا فريق، وهذا فريق. وإياك أن تفهم أن وجود الكافرين في الأرض، أو وجود العصاة في الكون دليل على أنهم غير داخلين في حوزة الله، لا. بل إن الله تعالى هو الذي أعطاهم هذا الاختيار، ولو شاء الله أن يجعل الناس أمة واحدة لما استطاع إنسان أن يخرج على مراد الله.
وفي الآية التي نحن بصددها جاء الحق بأولي العزم من الرسل: سيدنا موسى عليه السلام، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وسيدنا عيسى عليه السلام وبعد ذلك يقول سبحانه:
{وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات ولكن اختلفوا فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة: ٢٥٣]
إذن ما الذي جعل الناس تقتتل فيما بينها؟ إنه الاختلاف بين الناس، لقد اختلفوا فاقتتلوا. لكن ألا يمكن أن يكونوا قد اختلفوا ولم يقتتلوا؟ إن ذلك لو حدث لكان إجماعاً على الفساد. والحق سبحانه لا يريد أن يحدث الإجماع على الفساد، فإن لم يسيطر الخير على أمور البشر فلا أقل من أن يظل عنصر الخير موجوداً، ويأتي واحد ليجد عنصر الخير وينميه.