بذلك أولو العلم شهادة استدلال بالمخلوقات التي رأوْها على أبدع نظام وأعجبه، ولا يمكن أن ينشأ هذا كله إلا عن إله قادر.
وقد سلمتْ لله تعالى هذه الدَّعوْى؛ لأنها قضية صادقة شَهِد بها سبحانه لنفسه، وشَهِد بها الملائكة وأولو العلم ولم يَقُمْ لها معارض يدِّعِيها لنفسه.
وإلا والعياذ بالله أين ذلك الإله الذي أخذ الله تعالى منه الألوهية؟ فإما أنْ يكون لا يعلم، أو عَلِم بذلك ولم يعترض، وفي كلتا الحالتين لا يستحق أن يكون إلهاً. والدَّعْوى إذا لم تُجْبَه بمعارض فقد سلمتْ لصاحبها، إلى أن يُوجَد المعارض.
وكأن الحق سبحانه قال: لا إله إلا أنا، وأنا خالق الكون كله ومُدبِّر أمره، ولم يَأْتِ أحد حتى من الكفار يدَّعي شيئاً من هذا. وقد ضربنا لهذه المسألة مثلاً ولله المثل الأعلى: هَبْ أنه نزل عندك مجموعة ضيوف وزوار، وبعد انصرافهم وجدتَ حافظة نقود فسألتَ عن صاحبها، فلم يدَّعِها أحد إلى أنْ قال واحد منهم: هي لي، إذن: فهو صاحبها، وهو أحقُّ بها حيث لم يَقُمْ له معارض.
لذلك يقول تعالى:{قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً}[الإسراء: ٤٢] .
يعني إنْ كان هناك آلهة أخرى فلا بُدَّ أنْ يذهبوا إلى صاحب العرش، إما ليخضعوا له ويستلهموا منه القدرة على فِعْل الأشياء، أو ليُحاسبوه ويُحاكموه: كيف يدَّعي الألوهية وهم آلهة؟ ولم يحدث شيء من هذا كله، ولا أقام أحد دليلاً على أنه إله، والدَّعْوى إذا لم يَقُمْ عليها دليل فهي باطلة.