ونفهم من كلمة {أَنزَلْنَاهُ}[طه: ١١٣] أن المُنزَّل أعلى من المُنزَّل عليه، فالإنزال من شيء عالٍ، وكأن الحق تبارك وتعالى يلفت أنظارنا ويُصعِّد هممنا، فيقول: لا تهبطوا إلى مستوى تشريع الأرض؛ لأنه يُقنِّن للحاضر ويجهل المستقبل، ويتحكم فيه الهوى فتغيب عنه أشياء فيحتاج إلى استدراك.
لذلك، حين ينادينا إلى منهجه العلوي يقول:{قُلْ تَعَالَوْاْ}[الأنعام: ١٥١] يعني: اعلوا وخُذُوا منهجكم من أعلى، لا من الأرض.
{قُرْآناً}[طه: ١١٣] يعني: مقروء، كما قال {كِتَاباً}[الأنبياء: ١٠] يعني: مكتوب، ليُحفظ في الصدور وفي السطور. وقال {قُرْآناً عَرَبِيّاً}[طه: ١١٣] مع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُرْسَل إلى الناس كافة في امتداد الزمان والمكان، والقرآن نزل معجزة للجميع.
قالوا: لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو المباشر لهذه الأمة العربية التي ستستقبل أول دعوة له، فلا بُدَّ أنْ تأتي المعجزة بلسانها، كما أن معجزة القرآن ليستْ للعرب وحدهم، إنما تحدٍّ للإنس والجن على امتداد الزمان المكان.
كما قال سبحانه:{قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}[الإسراء: ٨٨] .
فالقرآن تحدٍّ لكل الأجناس: الروسي، والأمريكي، والياباني، والدنيا كلها، ومعهم الجن أيضاً. لكن لماذا والجن أيضاً داخل في مجال التحدي؟