قالوا: لأن العرب قديماً كانوا يعتقدون أن لكل شاعر أو خطيب مفوه شيطاناً يمُدُّه ويُوحِي إليه؛ لذلك أدخل الجن أيضاً في هذا المجال.
وقد يقول قائل: وكيف نتحدّى بالقرآن غير العرب وهو بلسان عربي، فهو حجة على العرب دون غيرهم؟
نقول: وهل إعجاز القرآن من حيث أسلوبه العربي وأدائه البياني فقط؟ لا، فجوانب الإعجاز في القرآن كثيرة لا تختلف فيها اللغات، فهل تختلف اللغات في التقنين لخير المجتمع؟ ألم يأْتِ القرآن بمنهج في أمة بدوية أمية يغزو أكبر حضارتين معاصرتين له، هما حضارة فارس في الشرق، وحضارة الروم في الغرب؟ ألم تكُنْ هذه الظاهرة جديرةً بالتأمل والبحث؟
ثم الكونيات التي تحدَّث القرآن عنها منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً، وما زال العلم الحديث يكتشفها الآن.
إذن: طبيعي أن يأتي القرآن عربياً؛ لأنه نزل على رسول عربي، وفي أمة عربية، والحق سبحانه يقول:{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤] .
فهم الذين يستقبلون الدعوة، وينفعلون لها، ويقتنعون بها، ثم ينساحون بها في شتَّى بقاع الأرض، ومن العجيب أنهم بدعوة القرآن أقنعوا الدنيا التي لا تعرف العربية، أقنعوها بالمبادىء والمناهج التي جاء بها القرآن؛ لأنها مبادىء ومناهج لا تخلتف عليها اللغات.
ثم يقول تعالى:{وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد}[طه: ١١٣] أي: حينما ينذر القرآن بشيء يُصرف هذا الإنذار على أوجه مختلفة، ويُكرَّر الإنذار لينبه أهل الغفلة.