حيث يرى أعماله وعواقبها وأخطاءه وسقطاته، وينبغي أنْ يأخذ منها درساً عملياً نظرياً في الرُّشْد.
ومن ذلك ما نسمعه من مصطلحات معاصرة يقولون «الرشد السياسي» ويقولون «ترشيد الاستهلاك» ، ما معنى هذه المصطلحات؟ معناها أن أحداث الحياة وتجاربها وعدم الرُّشْد في مسيرتهم عضَّت الناس، وألجأتْهم إلى التفكير في ترشيد يُذهب هذا الفساد.
إذن: فالرُّشْد للذات والترشيد للغير كما نفعل في ترشيد استهلاك القمح مثلاً وكنا نعلف به المواشي، حتى أصبحنا لا نجده؛ لذلك بدأنا في ترشيد استهلاك رغيف الخبز وصِرْنا نقسمه أربعة أقسام، ونأكل بحساب، ولا نهدر شيئاً، وما يتبقى يتبقى نظيفاً نأكله في وَجْبة أخرى.
وقد لا يكون عند الخباز نفسه ترشيد، فيُخرج الرغيف قبل استوائه فتجده عجيناً، كله لبابة، فتأتي ربة البيت الواعية فتفتح الرغيف قبل وضعه على المائدة، وتُخرِج منه هذه البابة، وتجمعها ثم تُحمِّصها في الفرن، وتصنع منها طعاماً آخر.
وما يقال في «ترشيد الخبز» يقال في «ترشيد الماء» ، وقد أمرنا رسول الله بترشيد استهلاك الماء حتى في الوضوء الذي هو قربي إلى الله.
هذا الرُّشْد الذي وصفنا رُشْد كل عاقل غير الرسل، وهو أنه يهتدي إلى قضايا حياته، ويتصرّف فيها تصرفاً سليماً، إنما مقتضى نتيجة هذا الصلاح في الدنيا، أما الرسل فلهم رُشْد آخر، رُشْد أعلى للدنيا وللآخرة، وهذه هبة من الله للرسل.