والغي أيضا هو ضلال الطريق، فعندما يسير إنسان في الصحراء ويضل الطريق يقال عنه:«فلان قد غوى» أي فقد الاتجاه الصحيح في السير، وقد يتعرض لمخاطر جمة كلقاء الوحوش وغير ذلك. ويوضح لنا الحق طريق الرشد بمنطوق آخر في قوله الحق:{وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}[الجن: ١٠]
إن الجن قد ظنوا كما ظن بعض من معشر الإنس أن الله لن يبعث أحداً بعد الموت أو لن يرسل رسولاً من البشر لهداية الكون. وقد طلب الجن بلوغ السماء فوجدوها قد مُلئت حرساً من الملائكة وشُهباً محرقة. وإن الجن لا يعلمون السر في حراسة السماء وهل في ذلك شَرٌّ بالبشر أو أراد الله بهم خيراً وهدى. إذن فالرُّشْد بضم الراء وتسكين الشين والرَشَد بفتح الراء وفتح الشين كلاهما يوضح الطريق الموصل للنجاة. ويقابل الرشد الغيّ.
ويتابع الحق:{فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} أولا: نلحظ أن الحق هنا قد قدم الكفران بالطاغوت، ثم جاء بالإيمان بالله؛ لأن الأمر يتطلب التخلية أولا والتحلية ثانيا، لابد أن يتخلى الإنسان من الطاغوت فلا يدخل على أنه يؤمن بالله وفي قلبه الطاغوت، فنحن قبل أن نكوي الثوب نغسله وننظفه، والتخلية قبل التحلية.
وما هو «الطاغوت» ؟ إنه من مادة «طغى» ، وكلمة «طاغوت» مبالغة في الطغيان. لم يقل: طاغ، بل طاغوت، مثل جبروت، والطاغوت إما أن يطلق على الشيطان، وإما أن يُطلق على من يعطون أنفسهم حق التشريع فيكَفِّرون وينسبون من يشاءون إلى الإيمان حسب أهوائهم، ويعطون أشياء بسلطة زمنية من عندهم، ويُطلق أيضاً على السحرة والدجالين، ويُطلق على كل من طغى وتجاوز الحد في أي شيء، فكلمة «طاغوت» مبالغة، وقد تكون هذه المبالغة متعددة الألوان، فمرة يكون الطاغي شيطانا، ومرة يكون الطاغي كاهناً، ومرة يكون ساحراً أو دجالاً، ومرة يكون حاكماً.