ومادة «الطاغوت» تدل على أن الموصوف بها هو من تزيده الطاعة له طغياناً، فعندما يجربك في حاجة صغيرة، فتطيعه فيها فيزداد بتلك الطاعة طغيانا عليك. والحق سبحانه يقول:{فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ}[الزخرف: ٥٤]
ويزيد في الأمر حتى يصير طاغية، ولا يوجد أحد استهل عمله بالطغيان العالي، إنما يبدأ الأمر خطوة خطوة، كأي نظام ديكتاتوري قهري، إنه يبدأ ب (جس نبض) فإن صبر الناس، ازداد هذا النظام في القسوة حتى يصير طاغوتا، إذن فالطاغوت هو الذي تستزيده الطاعة طغيانا، وتُطلق على الشيطان؛ لأنه هو الأساس، وعلى الذين يتكلمون باسم الدين للسلطة الزمنية (سواء كانوا كهاناً أو غيرهم) ، وتُطلق على الذين يسحرون ويدجلون، لأنهم طغوا بما علموه؛ إنهم يستعملون أشياء يتعبون بها الناس، وقد جاءت الكلمة هنا بصيغة المبالغة لاشتمالها على كل هذه المعاني، وإذا استعرضنا الكلمة في القرآن نجد أن «الطاغوت» ترد مذكرة في بعض الأحيان، وقد وردت مؤنثة في آية واحدة في القرآن:
لقد أوضحت هذه الآية أنهم تركوا كل أنواع الطغيان وأصنافه، أي إن الذين اجتنبوا الألوان المتعددة من الطغيان هم الذين يتجهون بالعبادة الخالصة لله، ولهم البشرى. {فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} وكلمة {استمسك} غير كلمة «مسك» . لأن {استمسك} تدل على أن فيه مجاهدة في المسك، والذي يتدين يحتاج إلى مجاهدة في التدين؛ لأن الشيطان لن يتركه، فلا يكفي أن تمسك، بل عليك أن تستمسك، كلما وسوس الشيطان لك بأمر فعليك أن تستمسك بالتدين، هذا يدل على أن هناك مجاهدة وأخذاً وردّاً. {فَقَدِ استمسك بالعروة} والعروة هي العلاقة، مثلما نقول:«عروة الدول» ، التي تمسكها منه، وهذه عادة ما تكون مصنوعة من الحبل الملفوف المتين،