للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسبق أن أشرنا إلى أن الذين يقولون في معجزات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه سبَّح الحصى في يده. أن هذه المقولة غير دقيقة تحتاج إلى تنقيح عقلي، فالحجر مُسبِّح في يد رسول الله، وفي يد أبي جهل، إذن: قل: إن المعجزة هي أن رسول الله سمع تسبيح الحصى في يده.

فما من شيء في كون الله إلا وله حياة تناسبه، وله لغة يُسبِّح الله بها، أدركناها أم لم ندركها؛ لأن الكلام فرع وجود حياة، وكل شيء في الوجود له حياة، فعلبة الكبريت هذه التي نستعملها يقول العلماء: إن بين ذراتها تفاعلات تكفي لإدارة قطار حول العالم. هذه التفاعلات دليل حركة وحياة.

ألم يقُلْ الحق سبحانه وتعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ... } [القصص: ٨٨] .

فكلُّ ما يقال له شيء - إلا وَجْه الله - هالك، والهلاك يعني أن فيه حياةً؛ لأن الهلاك ضد الحياة، كما جاء في قوله تعالى: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ... } [الأنفال: ٤٢] .

فكُلُّ شيء في الوجود له حياة بقانونه، وليس من الضروري أن تسمع الكلام حتى تعترف بوجوده، فهناك مثلاً لغة الإشارة، وهي لغة مفهومة ومُعبِّرة، أَلاَ ترى مثلاً إلى الخادم ينظر إليه سيده مجرد نظرة يفهم منها ما يريد أنْ يُقدِّمه للضيف مثلاً.

البحارة لهم إشارات يتعارفون عليها ويتفاهمون بها. جهاز التلغراف لَوْن من ألوان الأداء ووسيلة من وسائل التفاهم، إذن: الأداء والبيان ليس من الضروري أنْ يتمّ بالكلام المسموع، إنما تتفاهم الأجناس ويُكلِّم بعضها بعضاً كلّ بلغته، فإذا أراد الله أن يفيض عليك من إشراقاته أعطاك من البصيرة والعلم ما تفهم به فقدت غيرك من الأجناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>