للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن: كان الكلام للنمل، لكنْ فَهمه سليمان؛ لذلك قال: {رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ... } [النمل: ١٩] .

ذلك لأننا لا نفهم هذه اللغات إلا إذا فَهَّمنا الله إياها.

ومع هذا حينما وقف العلماء أمام هذه الآية {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ ... } [الأنبياء: ٧٩] قالوا: يعني تسبيح دلالة، فهي بحالها تدلُّ على الخالق سبحانه، وليس المراد التسبيح على حقيقته، وأَوْلى بهم أنْ يعترفوا لها بالتسبيح؛ لكنه تسبيح لا نفهمه نحن، كما قال تعالى:

{ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤] .

والآن نرى في طموحات العلماء السَّعْي لعمل قاموس للغة الأسماك ولغة بعض الحيوانات، ولا نستبعد في المستقبل عمل قاموس للغة الأحجار والجمادات، وإلا فكيف ستكون ارتقاءات العلم في المستقبل؟ وهذه حقيقة أثبتها القرآن تنتظر أن يكتشفها العلم الحديث.

والمزيّة التي أعطاها الله تعالى لنبيه داود - عليه السلام - ليستْ في تسبيح الجبال؛ لأن الجبال تُسبِّح معه ومع غيره، إنما الميزة في أنها تُردِّد معه، وتوافقه التسبيح، وتجاوبه، فحين يقول داود: سبحان الله تردد وراءه الجبال: سبحان الله، وكأنهم جميعاً (كورس) يردد نشيداً واحداً.

وليس معنى الجماد أنه جامد لا حياةَ فيه، فهو جماد من حيث صورة تكوينه، ولو تأمَلتَ المحاجر في طبقات الأرض لوجدت بين الأحجار حياة وتفاعلاً وحركةً منذ ملايين السنين، ونتيجة هذه الحركة يتغير لَوْنُ الحجر وتتغير طبيعته، وهذا دليل الحياة فيها، انظر مثلاً لو دهنتَ الحجرة لَوْناً معيناً تراه يتغير مع مرور الزمن، إذن: في هذه الجمادات حياة، لكن لا ندركها.

<<  <  ج: ص:  >  >>