فقال إبراهيم عليه السلام:{رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} وهذه هي براعة القرآن في أن يترك الشيء ثقة بأن السامع يرد كل شيء إلى أصله، فقوله الحق:{إِذْ قَالَ إبراهم رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فكأن الذي حاج إبراهيم سأله: من ربك؟ فقال إبراهيم:{رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} .
ولنا أن نلحظ أن هذه الآية قد جاءت بعد قوله الحق في الآية السابقة:{الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} ، والولاية هي النصر والمحبة والمعونة، فيريد سبحانه أن يبين لنا كيف أعان الله إبراهيم على من حاجه، إلا أن الذي حاج إبراهيم دخل في متاهات السفسطة بعد أن سمع قول إبراهيم:{رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} ، وقد جاء الحق ب {يُحْيِي وَيُمِيتُ} ؛ لأن تلك القضية هي التي لم يدَّعِ أحد أنه فعلها، ولم يدَّع أحد أنه شريك فيها، حتى الكافرون إذا سألتهم: من الذي خلق؟ يقولون الله.
إذن فهذه قضية ثابتة. إلا أن الخصم الذي حاجّ إبراهيم أراد أن ينقل المحاجة نقلة سفسطائية. والسفسطة كما نعلم هي الكلام الذي يطيل الجدل بلا نهاية.
وقال الرجل الذي يحاج إبراهيم عليه السلام: إذا كان ربك الذي يحيي ويميت فأنا أحيي وأميت.
فسأله إبراهيم عليه السلام؛ كيف تحيي أنت وتميت؟
قال الرجل: أنا أقدر أن أقتل ما عندي من مساجين وأقدر ألا أقتلهم، فالذي لم أقتله كأنني أحييته، والذي قتلته فقد أمته.
ولم يقل سيدنا إبراهيم لنتفق أولا ما الحياة؟ وما الموت؟ ذلك أن إبراهيم خليل الرحمن لم يشأ أن يطيل هذه المجادلة، فجاء له بأمر يُلجمه من البداية وينتهي الجدل، فقال له:{فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} . وهكذا أنهى سيدنا إبراهيم هذا الجدل. كان من الممكن أن يدخل معه سيدنا إبراهيم في جدل، ويقول له: ما هي الحياة؟