ويتنافسون لا للمباهاة والافتخار، إنما للترقي في القرب من الله.
جلس اثنان من هؤلاء العارفين وفي فَمِ أحدهم نَخْمة يريد أنْ يبصقها، وبدتْ عليه الحيرة، وهو ينظر هنا وهناك فقال لَه صاحبه: أَلْقِها واسترحِ، فقال: كيف وكلما أردتُ أنْ أبصقها سمعت الأرض تُسبِّح فاستحيْتُ أنْ أُلقيها على مُسبِّح، فقال الآخر - ويبدو أنه كان في منزلة أعلى منه - وقد افتعل البَصْق وقال: مُسبِّح في مُسبِّح.
إذن: فأهل الكشف والعارفون بالله يدركون هذا التسبيح، ويعترفون به، وعلى قدر ما لديك من معرفة بالله، وما لديك من فَهْم وإدراك يكون تلقِّيك وتقبُّلك لمثل هذه الأمور الإيمانية.
والحق - سبحانه وتعالى - حين قال:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض.
.} [الحج: ١٨] معلوم أن مَنْ في السموات هم الملائكة ولسنْا منهم، لكن نحن من أهل الأرض ويشملنا حكم السجود وندخل في مدلولة، فلماذا قال بعدها:{وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب. .}[الحج: ١٨] .
كلمة:{وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب. .}[الحج: ١٨] تُبيّن أن لنا قهريةً وتسخيراً وسجوداً كباقي أجناس الكون، ولنا أيضاً نطقة اختيار. فالكافر الذي يتعوَّد التمرُّد على خالقه: يأمره بالإيمان فيكفر، ويأمره بالطاعة فيعصي، فلماذا لا يتمرد على طول الخط؟ لماذا لا يرفض المرض إنْ أمرضه الله؟ ولماذا لا يرفض الموت إنْ حَلَّ به؟
إذن: الإنسان مُؤتمِر بأمر الله مثل الشجر والحجر والحيوان، ومنطقة الاختيار هي التي نشأ عنها هذا الانقسام: كثير آمن، وكثير حَقَّ عليه العذاب.