فَكرِه الناس ما يربطهم بالسماء، وهدموا أماكن العبادة، فهذه الطامة والفساد الذي لا صلاحَ بعده، فكأن الآيتين تصوران نوعاً من الإيغال في الفساد، والاتّضاع في الجرائم.
وتفسد الأرض حين ينعدم هذا التدافع، كيف؟ هَبْ أن ظالماً مسْتبداً في بلد ما يستعبد الناس ويمتصّ خيراتهم بل ودماءهم دون أنْ يردَّه أحد، لا شكَّ أن هذا سيُحدث في المجتمع تهاوناً وفوضى، ولن يجتهد أحد فوق طاقته، ولمن سيعمل وخيره لغيره؟ وهذا بداية الفساد في الأرض.
فإنْ قُلْنا: هذا فساد بين الناس في حركة حياتهم يمكن أنْ يصلح فيما بعد، فما بالك إن امتدَّ الفساد إلى أماكن الطاعات والعبادات، وقطع بين الناس الرباط الذي يربطهم بالسماء؟
إنْ كان الفساد الأول قابلاً للإصلاح، ففساد الدين لا يصلح، لأنك خرَّبْتَ الموازين التي كانت تُنظِّم حركة الحياة، فأصبح المجتمع بلا ميزان وبلا ضوابط يرجع إليها.
ونلْحظُ في قوله تعالى:{وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ.
.} [الحج: ٤٠] جاءت قضية عامة لكل الناس، فلم يخصْ طائفة دون أخرى، فلم يَقُلْ مثلاً: لولا دَفْع الله الكافرين بالمؤمنين، إنما قال مُطلْق الناس؛ لأنها قضية عامة يستوي فيها الجميع في كل المجتمعات.
كذلك جاءت كلمة (بعض) عامة؛ لتدل على أن كلاَ الطرفين صالح أن يكون مدفوعاً مرة، ومدفوعاً عنه أخرى، فَهُمْ لبعض بالمرصاد: مَنْ أفسد يتصدى له الآخر لِيُوقِفه عند حَدِّه، فليس المراد أن طائفة تدفع طائفة على طول الخط.