ومثال ذلك قوله تعالى:{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ. .}[الزخرف: ٣٢] دون أنْ يُحدِّد أيّهما مرفوع، وأيهما مرفوع عليه؛ لأن كلاً منهما مرفوع في شيء، ومرفوع عليه في شيء آخر؛ ذلك لأن العباد كلهم عيال الله، لا يُحابي منهم أحداً على أحد.
انظر الآن إلى قوة روسيا في الشرق وقوة أمريكا في الغرب، إنهما مثال لقوله تعالى:{وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ. .}[الحج: ٤٠] فكلٌّ منهما تقف للأخرى بالمرصاد، ترقبها وترصُد تحركاتها وتقدّمها العسكري، وكأن الله تعالى جعلها لحماية سلامة الآخرين أنْ تقف كُلٌّ منهما موقفَ الحذَر والخوف من الأخرى.
وهذا الخوف والترقُّب والإعداد هو الذي يمنع اندلاع الحرب بينهما، فما بالك لو قامت بينهما حرب أسفرت عن منتصر ومهزوم؟ لا بُدَّ أن المنتصر سيعيثُ في الأرض فساداً ويستبد بالآخرين، ويستشري ظُلْمه لعدم وجود مَنْ يُردِعه.
ومن رحمة الله بالمؤمنين أنْ يكيد الظالمين بالظالمين بكل ألوانهم وفنونهم، ويؤدِّب الظالم بمَنْ هو أشد منه ظُلْماً؛ ليظلّ أهلُ الخير بعيدين عن هذه المعركة، لا يدخلون طَرَفاً فيها؛ لأن الأخيار لا يصمدون أمام هذه العمليات، لأنهم قوم رِقَاق القلوب، لا تناسبهم هذه القسوة وهذه الغِلْظة في الانتقام.